افتتح الزميل الكاتب عبد العزيز قاسم مقاله (الإعلام والقضاء .. ارتباك داخلي وتصيد خارجي) في صحيفة الوطن يوم الإثنين الماضي بعبارة وصفها ب «النارية» لمعالي الشيخ صالح الحصين قالها في الملتقى الأول للقضاء الذي عقد أخيرا، واختارها الزميل عبد العزيز تمهيدا لطرح رأيه بأن «ثمة إشكالية وعلاقة مرتبكة بين الإعلام والقضاة» تستدعي: «ضرورة عقد ورش عمل وجلسات نقاش بين مجموعة من رؤساء التحرير والعاملين في الأقنية الفضائية وبين مجموعة قضاة ومسؤولين في القضاء لتحديد المساحات المتاحة قانونا وشرعا للنقد، ومن جهة أخرى كي يفهم قضاتنا الأحبة بأن للإعلام أدوارا في المراقبة ووظائف هي من صميم عمله». والحقيقة أن عبد العزيز لم يبالغ في وصف عبارة الشيخ صالح بالنارية؛ لأنها وصمت الصحافة بالطيش والإساءة للمملكة وتشويه صورتها عندما تناولت قضية فتاة القطيف، لكن الإشكالية ليست في العبارة وإنما في اختيار زميلنا لها كفاتحة للمقال؛ لأنها توحي بالانحياز لمضمونها وبالتالي إذا كان الكتاب من عنوانه كما يقال فإن المقال من افتتاحيته. وقد كرس عبد العزيز انحيازه ضد الإعلام لصالح القضاة اختياره تصريح أمين مجلس القضاء بأنه تلقى «سيلا» من طلبات القضاة بوضع حد لتأثير الإعلام على القضايا المنظورة أمام القضاء وانتقاد الأحكام القضائية. كما لم يفت على أخينا عبد العزيز تذكيرنا بأهمية استقلال القضاة استنادا إلى نظام القضاء السعودي، ووعظنا بخطورة اختراق السلطة القضائية مستشهدا بعبارة نارية أخرى للدكتور أحمد كمال أبو المجد. الزميل عبد العزيز خلط كثيرا بين القضاء والقضاة، وبين استقلالية القضاء وحقيقة أن القضاة بشر قد يخطئ بعضهم فلا يصبح معصوما من النقد .. وقد جاءت في المقال جملة مهمة هي: (وللإنصاف فثمة إشكالية تتعلق بفهم الإعلاميين وكتاب الرأي والمثقفين لبعض الأحكام التي تصدر من قضاة، ويحار المرء فعلا حيال الأسباب التي دفعت القاضي للحكم بتلك الأحكام والأمثلة كثيرة، غير أنها ليست قضيتي هنا) .. لماذا ليست قضيتك وهي السبب الأساس لكل جوانب الإشكالية التي تتحدث عنها وتبرعت بطرح مشروعك لإنهائها .. لماذا يا زميلنا أهملت عبارة أكثر أهمية للشيخ صالح الحصين ووضعتها في نهاية المقال رغم أن فيها توضيحا لكثير من الإشكالية التي تتحدث عنها لأنها تقول: «القضاء في العالم كله ليس دائما يصل إلى الحل الصحيح، والقضاء في العالم فيه أخطاء كثيرة». لماذا اخترت العبارة النارية الاتهامية من حديث طويل للشيخ صالح لتكون ركيزة المقال وصلبه وموضعه وأرجأت العبارة «بيت القصيد» إلى آخر المقال حتى لا يكون بعدها كلام؟.. هنا لب المشكلة يا زميلنا العزيز، الأخطاء والأحكام التي يحار فيها العقل هي التي تجعل الإعلام يتحدث ويتساءل بحثا عن إجابات، وهي التي تجعل الإعلام في الخارج يتحدث عن القضاء .. ماذا ستقول عن الحكم الذي شتت أسرة منصور وفاطمة لأربع سنوات ثم صدر أخيرا حكم المحكمة العليا بنقضه؟ ماذا ستقول عن استجواب طفلة لم تبلغ الرشد بشأن زواجها من ثمانيني، ورغم أن التوقعات كانت ترجح أن ينقذها القضاء وإذا القضية برمتها تتحول قبل أمس لصالح الزوج من خلال سيناريو غرائبي، من الذي أثر على القضاء واخترق سلطته ووجهه في هذه الحالة، هل هو الإعلام المسكين أم آخرون أقوى من الإعلام والكتاب؟ وإذا تحدث إعلام العالم غدا عن هذه المأساة هل سيكون السبب الإعلام والكتاب أم الحكم الذي أصدره القاضي؟ .. من الذي يسيء للمملكة ويشوه صورتها إذن: الإعلام أم مثل هذه الأحكام؟. لسنا بحاجة يا عبد العزيز إلى فرمان يصدره رؤساء التحرير والقضاة لتحديد مساحة النقد. ولسنا بحاجة إلى سن نظام يجرم تأثير الإعلام على القضاء؛ لأن المشكلة ليست مع القضاء بقدر ما هي مع أحكام بعض القضاة. وإذا كنت تصف القضاة بأنهم أحبتك فإن حبيبنا هو القضاء العادل المستقل، وعندما تصف الشيخ صالح الحصين بأنه والدك فإنك لا تختص وحدك بإجلاله فهو والد الجميع، ولمعلوميتك فإنه أكثر الناس ديموقراطية في الحوار وتقبل الآراء.. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة