نعيش في الآونة الأخيرة ثورة إعلامية رقمية، أصبحت جزءا أساسيا من حياتنا الاجتماعية بمختلف الأعمار وجميع المستويات الاجتماعية والتعليمية، لم تعد نشرة الأخبار التي كانت تبث في ساعات محددة خلال اليوم مصدرا للمعلومة ولم يصبح طرح الرأي مقتصرا على صفحات الجرائد، ولم تعد السيطرة عليه وفلترته من الشوائب التي تضر بالمجتمع بالأمر القابل للتطبيق، وأصبحت ساحاته امتدادا لميادين يستخدمها البعض لحرب ناعمة يحاول من خلالها اختراق الصف وبث الفتنة وتسويق الشائعات، ولا نجهل بأن الحرب الفكرية من أكثر الحروب فتكا بالمجتمعات وأشدها أثرا على استقرارها النفسي. أصبح الكثير يشعر بالقلق عندما يستيقظ ممسكا بجواله متوجسا من وجود خبر أو حادثة تفسد يومه، وهنالك من يستيقظ ليطمئن على أحوال العالم ثم يعود لأحلامه، أصبحنا متعلقين بالأخبار ومطلعين على ما يحدث في دول العالم خلال دقائق من الحدث، ونتابع التضارب في التحليل واستغلال المواقف، ومع تعدد الروايات نجد المنطق والعقل حائرا في قبولها فجميعها يتم حبكها بشكل متقن. رأينا الجهود الأمنية الكبيرة في محاولة مواكبة هذه الثورة وذلك من خلال متابعة ما يتم نشره ومراقبة تلك الوسائل بأحدث التقنيات، ولكن تلك الجهود تطلب التكامل مع الجهود الإعلامية والتعليمية، فما زالت لدينا العديد من القنوات الإعلامية تعتمد في مناصب لها حساسيتها وخصوصياتها في ما يبث فكريا وثقافيا على خبرات غير سعودية، ونجد البرامج التعليمية والتأهيلية في المجال الإعلامي لم تتطور بالشكل الذي يتناسب مع الواقع، ولم نلمس طفرة الابتعاث للوصول إلى كوادر وطنية متميزة في التأهيل والإدارة الإعلامية كما لمسناه في جوانب أخرى كالصحة، وأصبحنا بحاجة ماسة إلى الحصانة الفكرية وفلترة ما نتلقاه عبر القنوات الإعلامية وذلك عن طريق مناهج دراسية يتم من خلالها بناء جيل يصعب خداعه بمواد إعلامية مسمومة فكريا ومحاولات لهز القناعات الدينية والاجتماعية ويتم من خلالها التثقيف بكيفية التعاطي مع الإعلام، وأن يصبح الإعلام الأكثر اطلاعا وتداولا غير خاضع لسيطرة رأس المال. الإعلام لم يعد كما السابق فقد أصبح ترسا دفاعيا وقوة ضغط وركيزة البناء المعرفي، دوره محوري ووسائله غير تقليدية، أبطاله مؤثرون وإدارته لا تعتمد على الخبرات القديمة والسياسات المعتادة، وقد عرف المؤرخ الأسكتلندي توماس كارليل في عام 1841 الإعلام بأنه السلطة الرابعة وذلك من خلال كتابه «الأبطال وعبادة البطل»، ونلاحظ بأن هذه السلطة في الوقت الحالي أشد قوة وأوسع أثرا على الصعيد السياسي والاقتصادي والفكري والاجتماعي، الاستثمار في الإعلام ليس من باب الرفاهية ولا مجرد التطوير ولكنه متطلب وضرورة قصوى. كاتب سعودي alaqeelme@