(حار يا فول)، عنوان للأستاذ مشعل السديري (الشرق الأوسط) بخصوص ما أكّده الشيخ المغامسي من مشروعية (الزواج بنية الطلاق)، وأبطله الكاتب تركي الحمد بأنه (خداع، ولا يتفق مع روح الإسلام). وقعد الأستاذ السديري (حائراً) بين رأي الشيخ المغامسي، ورفض الكاتب الحمد، ولنا كمسلمين بالحكم الشرعي)، وليس بأذواق الناس وأهوائهم. يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، ومفاده أن الثواب والعقاب المترتّب على أفعال العباد إنما مناطها النيّة، فكيف يُحكم على هذا العقد بالغِش والتدليس فالنوايا والمقاصد علمها وحسابها عند الله..؟ فقد يكون هذا العاقد للنكاح بنيّة الطلاق مراده التحصّن، خشية الوقوع في الزلل والخطيئة. وهذا أمرٌ مشروع، بل واجب، وله الأجر والمثوبة عند الله. فهل هذا من باب الغش والتدليس..؟ قد يحدث بعد العقد ما يصرف الرجل عمّا نواه ويستمر الزواج ويعمر وليس للناس إلاّ الظاهر والظاهر، إن هذا العقد صحيح كما شرّعه الله وبيّنه رسول الله، بأركانه الثابتة وشروطه المختلف عليها فلا يجمل أن يُوصف عقد (مقدّس عند الله) بالغِش والتدليس، وفرض المسألة خفاء المقاصد والنوايا عن الناس، فلا بد من حمل الناس على الصلاح، وافتراض حسن النوايا والمقاصد. ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعامل المنافقين معاملته للمسلمين، بالرغم من اطلاعه على نفاقهم، فهل وصف الرسول عليه الصلاة والسلام المنافقين بالغِش والتدليس، مع علمه بمقاصدهم ونواياهم، فكيف يصفون هذا التعاقد لهذا النكاح بالغِش والتدليس، مع جهلهم بحقيقة مقاصده ونواياه؟ ثم هل اقتصرت نوايا الناس السيئة على عقد النكاح بنيّة الطلاق..؟! كم من بائع وكم من مشترٍ، وكم من مستأجر وكم من مؤجر، وكم وكم من معاملات الناس التي يدخل فيها البعض بنوايا خلاف ما يدخل به الناس في ظاهر الأمر..؟! فهل يُحكم على هذه المعاملات بالشناعة والبطلان..؟ هذا النكاح الذي قالوا إنه (غِشٌ وتدليس) صحّحه ابن تيمية في (الفتاوى) بقوله (والصحيح أن هذا ليس بنكاح متعة ولا يحرم، وذلك لأنه قاصد للنكاح راغب فيه.. لكنه لا يريد دوام المرأة معه، وهذا ليس بشرط، فإن دوام المرأة معه ليس بواجب، بل له أن يطلقها. فإذا قصد أن يطلّقها بعد مدة فقد قصد أمراً جائزاً). وقال الباجي (المنتقى) (من تزوج امرأة لا يريد إمساكها، إلاّ أنه يريد أن يستمتع بها مدة من الزمن، ثم يفارقها من غير شرط في العقد أنه جائز). وقال مالك (وقد يتزوج الرجل المرأة على غير إمساك، فيسرّه أمرها، فيمسكها، وقد يتزوجها يريد إمساكها، ثم يرى منها ضد الموافقة فيفارقها). وقال القرافي في (الذخيرة) (إذا تزوج الرجل المرأة وفي نيته فراقها.. لا بأس عند مالك والأئمة. وكذا إذا نوى طلاقها عند سفره بعد انقضاء حاجته في تلك البلاد). ونقل ابن حجر (فتح الباري) قوله (وأجمعوا أهل العلم على أن شرط بطلان عقد النكاح التصريح بالشرط (التوقيت). فلو نوى عند العقد أن يفارقها بعد مدة صحّ نكاحه). وقال ابن الهمام (فتح القدير) (أما لو تزوج وفي نيّته أن يطلّقها بعد مدة نواها ولم يذكر شيء من ذلك في العقد صحّ العقد). وقال الماوردي في (الحاوي) (.. وإذا تزوجها مطلقاً من غير شرط، لكنه ينوي الطلاق فالنكاح صحيح لخلو عقده من شرط يفسده). وقال ابن قدامة في (المغني) (وإن تزوجها بغير شرط إلاّ أن في نيّته طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد، فالنكاح صحيح.. ولا تضر نيته. فهو زواج صحيح لا اجتهاد فيه لما فيه من النصوص الشرعية التي تجيزه ثم توالت عليه القيود والضوابط مثل المحرّمات فيه، واختلاف الدين وشروط الولي والشهود والإشهار وغيرها وليس منها قيد النية. إن هذه المسألة معروفة منذ عهد الرسالة والصحابة والتابعين ومشهورة في كافة مذاهب المسلمين. والحكم فيها الجواز والإباحة بلا تحفّظ ولا تكلّف ولا كراهية، فالنوايا والمقاصد مردّها إلى الله ولا سبيل للناس إليها، وقد يحاسب الله سبحانه وتعالى الناس على المقاصد والنوايا ما لا يحاسب به على الأعمال. فهذا النوع من النكاح الأصل فيه (الإباحة). أنا لم آتِ بجديد ولم (أفتي) في المسألة وإنما نقلت رأي أئمة الفقه لأقول ل(مشعل) خُذ قرارك بناء على رأي الفقهاء (حار يا فول). * كاتب سعودي [email protected]