لكون «العامل الإسرائيلي» يلعب دورا محوريا في أحداث المنطقة العربية، وما يجري فيها حاليا من تطورات سياسية كبرى، كما يجزم خبراء السياسة الدولية العالميون، فإن من المنطقي الاهتمام بهذه الإسرائيل، وعدم تجاهل العامل الإسرائيلي في التحليلات السياسية الجادة والموضوعية التي تتعلق بالمنطقة. كيف ستكون إسرائيل في عام 2020م، وبعد مرور 72 عاما على قيامها، هل ستقوى أم تضعف، هل تستجيب لمتطلبات السلام، أم تواصل رفضها لصيغة السلام المجمع عليها عالميا؟! سؤال تحتاج الإجابة عليه ربما لندوة علمية كاملة، أو بحث من عشرات الصفحات. لكننا سنحاول الإجابة العامة على جوهره في هذه العجالة المحدودة... آملين تقديم إجابة مختصرة، ذات، ولو قدر قليل، من المصداقية. وكما نعرف جميعا، فإن هذا الكيان الصهيوني المسمى ب«دولة إسرائيل» يزداد -لسوء الحظ العربي- منعة وقوة (بالمعنى الشامل للقوة) يوما بعد يوم، منذ نشوئه في عام 1948م. وإن استمرت الأمور، أو الأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية على ما هي عليه الآن، فإن قوة إسرائيل ستتصاعد -كالعادة- في عامنا الجديد. لقد تمكن الصهاينة وأعوانهم من إقامة دولة صناعية متقدمة علميا وتقنيا، وتمتلك جيشا مدججا بأحدث الأسلحة، بما في ذلك السلاح النووي. حتى قيل إن إسرائيل عبارة عن جيش يمتلك دولة، لا دولة تمتلك جيشا. غير أن تكوين إسرائيل من قوميات وعرقيات شتى، لا تجمع فيما بينها أهم عناصر الانصهار «الوطني» المعروفة، يهدد باحتمال ضعف أو تصدع هذا الكيان، ودخوله في اضطرابات وصراعات «أهلية»... قد لا تنتهى إلا بانهيار «الدولة»، أو تقسيمها. ويتجسد هذا الانقسام الداخلي الصهيوني الخطير في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) وفي الأحزاب السياسية المتعددة والمتنافرة، لدرجات تتعدى كثيرا الاختلاف السياسي، والبرامجي والفكري. **** ويمكننا الحديث السياسي عن إسرائيل السنة الجديدة، ومحاولة معرفة وضعها، عبر التركيز على جانب أو أكثر من العوامل و«القضايا» الحيوية الكثيرة التي تتعلق بها، وتدور حولها، والتي يمكن اعتبارها مداخل لاستشراف موقف إسرائيل، مثل: وضعها السكاني والديموغرافي، مدى قوتها، سياساتها تجاه جيرانها، موقفها نحو الفلسطينيين، موقفها نحو «السلام» مع العرب، سعيها المحموم للتسلح، والسيطرة الإقليمية... إلخ. ويبدو أن تسليطنا الضوء على هدف الهيمنة (مدى القوة) يلقي الضوء تلقائيا على أبرز ملامح السياسة الإسرائيلية القادمة، أو المتوقعة، في المدى القريب. فالسيطرة على منطقة الشرق الأوسط هي الهدف الصهيوني الأكبر. أما وسائله، فأهمها: تقوية الذات الإسرائيلية، وإضعاف الخصم العربي، لأقصى حد ممكن. هذه السياسة ستستمر، وبزخم أقوى، كما يبدو. إن إسرائيل تمثل، بسياساتها الحالية، خطرا وجوديا فادحا على الأمة العربية وما حولها. وخطرها الأساسي يأتي من سياساتها التوسعية العدوانية، وإصرارها على السيطرة، ومن الترسانة العسكرية والنووية الهائلة الموجودة الآن بحوزتها. فمنذ قيامها، بدأت إسرائيل في السعي للهيمنة عبر التجييش، وامتلاك الخيار النووي العسكري.... لتثبيت وجودها، بل وفرض الإرادة الصهيونية على كل المنطقة، وعلى مقدراتها ومستقبلها، في المدى الطويل. ويؤمن استراتيجيو إسرائيل أن امتلاك هذا النوع من السلاح الرهيب يمثل «رادعا» حاسما، لكل الأطراف، في «السلم» والحرب. **** وبصفة عامة، يرد سبب قيام ونمو وتوسع وعربدة إسرائيل، في المنطقة العربية، لعدة عوامل رئيسة، أهمها (بالترتيب التنازلي للأهمية): - المخطط الصهيوني العالمي النشط لإقامة، ودعم هذا الكيان وتقويته. - الرغبة الاستعمارية (الغربية) في قيام ونمو وتوسع إسرائيل. - تمزق الأمة العربية وضعفها وتخبطها، في مواجهة المخططين الصهيوني والاستعماري تجاه المنطقة العربية. أهم ما عملته الصهيونية لترسيخ أقدام إسرائيل، وضمان هيمنتها، هو: تقوية ذاتها علميا وتقنيا وسياسيا، وفي كل المجالات الأخرى، إضافة لامتلاك الخيار النووي العسكري. ولولا غطرسة القوة والتفوق، وحيازتها لهذا السلاح، لكان موقفها اليوم، وغدا، أقل حدة وتعنتا، مما هو عليه الآن (بداية 2020م) ولما سخرت واستهانت بمبادئ السلام العادل والشامل، ولقبلت الحل السلمي المجمع عليه عالميا للصراع العربي - الإسرائيلي. **** ومعروف أن بالمنطقة قوى أخرى غير عربية (تركيا، إيران)... تسعى بقوة، هي الأخرى للهيمنة الإقليمية. وقد تصطدم بإسرائيل من باب التنافس الدولي. فلإيران (مثلا) سياسات توسعية (مذهبية وقومية الهوى) تستهدف مد النفوذ الإيراني على معظم المنطقة العربية. ووسيلة إيران الرئيسة لتحقيق أهداف هذه السياسة هي: دعم الأقليات الشيعية المنتشرة في دول المنطقة، وتمكينها للهيمنة لصالح إيران، بادعاء أن إيران هي مناصرة هذه الأقليات... «المضطهدة» (من قبل الغالبية السنية - كما يدعي قادة إيران). ولخطورة هذه الأهداف، فإن سعي إيران لامتلاك السلاح النووي أمسى، هو الآخر، هاجسا أمنيا وسياسيا مخيفا لدى جيران إيران، وبقية الدول. والمقلق أيضا، أن سعي إيران لكي تصبح قوة نووية قد تأجل قليلا، بفعل العقوبات الأمريكية، ولكنه لن يتوقف. * كاتب سعودي [email protected]