د. محمد صالح الشميمري مهنة التمريض مثلها مثل المهن الأخرى؛ لها متاعبها ومشاقها وهمومها، ولها أيضا متعتها التي لا يشعر بها إلا من عمل فيها ومارسها؛ فعندما تتجول بين الأسرَّة البيضاء في المرافق الصحية وتشاهد المرضى، تشعر بأن الممرض أو الممرضة أهم شخص في المنظومة الصحية. كيف لا وهما من يحمل همَّ المريض ومرضه ويسعى لخدمته بأفضل الطرق العلمية الحديثة، ويساهم بشفائه بعد توفيق الله عز وجل. فأعضاء هيئة التمريض يعملون بكل إحساس وقلب حنون لتقديم الرعاية الصحية؛ لأنهم يشعرون بالمرضى ويتألمون معهم، ويفرحون بشفائهم ويبكون على فقدانهم، ويفكرون في مرضهم، كما أنهم يحاسبون أنفسهم مرارا وتكرارا إذا حدث أي تقصير غير مقصود تجاههم. لذلك يسعى أبناء وبنات هذه المهنة العظيمة جاهدين بكل طاقاتهم ومشاعرهم النابعة من القلب أثناء عملهم بين الأسرَّة البيضاء الذي يتجاوز (9) ساعات يوميا و(22) يوما شهريا، للعمل بكل جد ومثابرة وإخلاص لكسب دعاء بخير من مريض أو رضا تام للخدمة أو ثناء من مرافق أو مسؤول، وقبل ذلك القبول من رب العالمين؛ فهم يعملون بشكل متواصل في جميع المناسبات والأوقات سواء في شهر رمضان أو الأعياد دون توقف أو تردد، وهم -في الوقت نفسه- يرجون أن تجمعهم هذه اللحظات مع الأهل والأبناء، لكنهم يفضلون تحمل المسؤولية وإسعاد مرضاهم بالوقوف معهم ومنحهم الابتسامة في هذه المناسبات. ومع هذا، أتساءل تساؤلا هاما جدا: "من يحمل همَّ هؤلاء الممرضين أو الممرضات؟ فهناك ما يؤثر على حياتهم الأسرية ومستقبلهم. مَن يسعى إلى الوقوف معهم ويحمل همومهم التي هي نتيجة تأثير المهنة عليهم وعلى مستقبلهم." ولتحقيق الأفضل للرعاية الصحية وتقديم أجود الخدمات للمرضى والمجتمع، لابد أن نتعرف على أهم الهموم التي تواجه أبناء وبنات المهنة؛ وذلك لإيجاد حلول لها بالدراسة والبحث العلمي ومحاولة تذليل المصاعب من أمامهم، مما يساهم بزيادة الجاذبية للمهنة بشكل إيجابي بإذن الله. نبدأ بالهمِّ الأول وهو ساعات العمل الطويلة التي قد تسبب الشعور بملل نتيجة ضغط العمل وعدم الرضا، ومحاولة الهروب من شرف خدمة المرضى، وخصوصا التمريض العاملين في الأقسام الحرجة التي يصل فيها العمل إلى عشر ساعات، وأحيانا إلى (12) ساعة يوميا في وجود النقص. أما الهمّ الثاني، فهو همّ الأبناء وعدم وجود حضانات للأطفال داخل المستشفيات الكبرى، لتخفف من قلق الممرضة وتفكيرها بأبنائها وخاصة من كان في سن الرضاعة. كيف لنا أن نطالب الممرضة برعاية المرضى وهي لا تجد من يرعى أطفالها ويهتم بهم؟! والهمّ الثالث همّ المناوبات التي تسبب عدم اتزان في الأسرة وخاصة المتزوجين والمتزوجات منهم، ومن لديهم أطفال في سن المدارس. إنَّ تغير النوبات الثلاث بشكل مستمر يسبب الإرباك وعدم الاستقرار، ويعتبر سببا لتسرب التمريض من المستشفيات للعمل في أي موقع الدوام فيه نوبة واحده صباحيه للحفاظ على سلامة حياتهم الأسرية. كذلك، همّ العدوى والخوف من اكتساب العدوى والمرض؛ ففي كثير من الأحيان لا يعرفون سبب المرض في وقت مبكر عندما يتعاملون مع المرضى، وعدم اكتشاف العدوى إلا بعد سحب عينات من الدم وتحليلها وعمل العلامات الحيوية من قبل التمريض وخاصة في أقسام الطوارئ، مما قد يعرضهم لخطر الإصابة بالعدوى بشكل مباشر. ومن الهموم الأخرى، همّ نظرة المجتمع الذي مازال يجحف حقهم ودورهم الهام في الرعاية والعناية الصحية والوقاية من المرض والتثقيف الصحي، لذلك يجب العمل على تثقيف المجتمع بالمهنة وإبراز دورها الهام، وتغيير هذه النظرة التي تأثرت بسبب بعض الأفلام والمسلسلات العربية التي أبرزت دورهم بصوره غير لائقة. كذلك، همّ بيئة العمل وعدم وجود المحفزات المالية والمعنوية لهم، وعدم وجود غرف خاصة للممرضين والممرضات في الأقسام المختلفة بالمستشفيات والمرافق الصحية لأخذ قسط من الراحة. ومن الهموم الأخرى همّ التطوير الشخصي والمهني، ومن ذلك عدم القدرة على إكمال الدراسة، وندرة المقاعد الدراسية للماجستير والدكتوراه في التمريض بالجامعات، ومحدودية إكمال دراسة البكالوريوس بنظام التجسير للبنين في بعض الجامعات، بسبب وجود العجز في أغلب المرافق الصحية، فهم يجدون صعوبة في تحقيق هذا الحلم بمواصلة الدراسة واكتساب المعرفة وتطوير الذات. أعتقد أنه آن الوقت لدراسة كل هذه الهموم والمتاعب التي تواجه هذه المهنة العظيمة، وإعادة تنظيمها على مستوى عالٍ للمحافظة على منسوبي المهنة والحد من التسرب، وزيادة الجذب من أبناء وبنات الوطن الغالي للعمل بها مسقبلا. *دكتوراه في التمريض – مكة المكرمة