التنمية الحقيقية هي التي يكون الإنسان محورها وهدفها ، وانحراف الرؤية عن هذا المسار يولد كوارث وطنية وخسائر فادحة لا تقدر بثمن ، فخسارتنا تعوض إلا إذا كانت من عملة «الإنسان» . عادة ما ننبهر بالمباني الشاهقة وناطحات السحاب ، وهذه نتائج مهمة لعملية بناء المدينة والمدنية ولكنها ليست أساس التنمية ، فقد يبني الناطحة من تدفقت أموال النفط بين يديه وهو لا يجيد إلا استهلاك الثروة . المثقفون والمتحدثون والمؤثرون يغرقون سوق الحديث بين الناس بقضايا هامشية وصراعات بينية لا تنعكس علينا بكثير من الأرباح ، ويظل الاستثمار في «الإنسان» حلقة ضعيفة من سلسلة إنتاجاتهم الضخمة ، فأتمنى أن ينقلب المشهد ويتصدر «الإنسان» مشهد الاهتمام والاستثمار . الإنسان السعودي لابد أن يكون عالمياً بمواصفاته وإمكانياته الفردية والمؤسساتية ، وأن نخلق فرص نجاح عظيمة بلا نفط ، فهذه كوريا تتفوق بدون ثروات طبيعية وكان اقتصاد المعرفة هو كلمة السر في تفوقها الاقتصادي ، وزيارة سريعة لمصنع سامسونج للهواتف الذكية تختصر عليك رحلة طويلة في مقالات التنمية ، وخامة السعودي أفضل من النفط الخام ولكن ينقصها التدريب والبيئة لكي يكون موظفاً بمواصفات عالمية ويمكنه النجاح المهني في أي مكان بالعالم . النظام التعليمي الحالي لا يحقق لنا هذه الرؤية التي نحلم بها للإنسان السعودي ، ونظرة بسيطة للتعليم العام ستكتشف أنه لا يؤهل للتعليم الجامعي كما يجب ، والتعليم الجامعي بدوره لا يؤهل لسوق العمل ، والتخصصات التي ندرسها ليست هي التخصصات التي نحتاجها أولاً ، ومن يتفوق ويحقق عالمية المواصفات تكون بجهده الذاتي وليست بالمخرجات الطبيعية لهذه المنظومة التعليمية . الأزمة الحقيقية ليست باستيعاب المشكلة وتشخيصها ، فكثير من هذا الكلام متفق عليه حتى من صناع القرار التعليمي والتنموي في البلد ، ولكن الأزمة هي في وضع «السيستم» أولاً وفي إيجاد البيئة ثانياً ، وقد كتبت كلمة «السيستم» بدون تعريب عمداً لأننا بحاجة لاستيراد هذه المنظومة ، فتجربتنا في خلق وإيجاد مثل هذه النظم التي تراعي «العلاقة» بين الأشياء وطريقة تسلسل الحركة بينها متواضعة ومتأخرة جداً وعلينا استيرادها من مظانها ، ويبقى خلق البيئة مرهونا بقدرتنا على الرؤية وإقناع الناس بهذه الرؤية . المثقفون والمتحدثون والمؤثرون يغرقون سوق الحديث بين الناس بقضايا هامشية وصراعات بينية لا تنعكس علينا بكثير من الأرباح ، ويظل الاستثمار في «الإنسان» حلقة ضعيفة من سلسلة إنتاجاتهم الضخمة ، فأتمنى أن ينقلب المشهد ويتصدر «الإنسان» مشهد الاهتمام والاستثمار .