بمشاركة 4 فرق .. "الثلاثاء" قرعة كأس السوبر السعودي    تمنع "نسك" دخول غير المصرح لهم    «الاستثمارات العامة» يطلق مجموعة نيو للفضاء «NSG»    المملكة وسورية ومصالح العرب    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    قائد النصر "كريستيانو رونالدو" هدافاً لدوري روشن السعودي ب 35 هدفاً    «الصقور الخضر» يعودون للتحليق في «آسيا»    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة ضمك والرائد في دوري روشن    شوريون ل«التعليم»: أين إستراتيجيتكم ؟    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    تقدير الجميع لكم يعكس حجم التأثير الذي أحدثتموه في المجتمع    تفقّد ميقات ذي الحليفة.. أمير المدينة: تهيئة الخدمات لتحسين تجربة الحجاج    صالات خاصة لاستقبال الحجاج عبر «طريق مكة»    حلول مبتكرة لمرضى الهوس والاكتئاب    القاضي الرحيم يتعافى من سرطان البنكرياس    الشمردل ينتزع ذهبية غرب آسيا للبلياردو    كوريا الشمالية تعلن فشل عملية إطلاق قمر اصطناعي لغرض التجسس    بولندا تبرم صفقة مع الولايات المتحدة لشراء صواريخ بعيدة المدى    شهادات الاقتصاد    نعم.. ضغوطات سعودية !    الديمقراطية إلى أين؟    ورحلت أمي الغالية    الاحتيال العقاري بين الوعي والترصد    موجز    ارتفاع استثمارات «المسار الرياضي»    كشف رب الأسرة    إسدال الستار على الدوريات الأوروبية الكبرى.. مانشستر سيتي يدخل التاريخ.. والريال يستعيد لقب الليغا    أخضر رفع الأثقال وصيف العالم    اليوم في ختام دوري يلو.. تتويج القادسية.. والخلود والعروبة في صراع الوصافة    الطائر الأخضر والمقعد الأزرق !    أمير المنطقة الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة نادي الاتفاق    الأمن العام: 50 ألفاً غرامة تأخر الإبلاغ عن مغادرة المستقدَمين في الوقت المحدد لانتهاء التأشيرة        طلب عسير    سرقة سيارة خلال بث تلفزيوني    الفريق البسامي يستعرض الخطط الأمنية للحج    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    عبر دورات تدريبية ضمن مبادرة رافد الحرمين.. تأهيل العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    الفيصل تُكرم الطلاب الفائزين في مسابقتَي «آيسف» و«آيتكس» وتشيد بمشاريع المعلمين والمعلمات    حفلات التخرج.. البذل والابتذال    بدء أعمال إنشاء مساحات مكتبية في "ميدان الدرعية"    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    مكتسبات «التعاون»    إخلاص وتميز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    إدانة دولية لقصف الاحتلال خيام النازحين في رفح    باخرتان سعوديتان لإغاثة الشعبين الفلسطيني والسوداني    نصائح للمرضى خلال رحلة العمر.. إستشاري: خذوا أدوية السكري في مواعيدها وتجنّبوا الإجهاد    سكري الحمل    دراسة تكشف أسرار حياة الغربان    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    مجمع إرادة بالرياض يحتفل بيوم التمريض العالمي.. غداً    «جامعة نايف» تفتتح فعاليات الندوة العلمية «إدارة وتأمين الأحداث الرياضية الكبرى»    سلمان الدوسري يهنئ جيل الرؤية على التفوق والتميز    فيصل بن بندر يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    نائب أمير مكة يطّلع على استعدادات وخطط وزارة الحج والعمرة    جوازات ميناء جدة الإسلامي تستقبل أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من السودان    وصول طلائع الحجاج السودانيين إلى ميناء جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لثورات العربية وسؤال الحاكمية

المأخذ ليس على تقدير حق الناس في أن يحكموا بالعدل والقسط، وأن ترد عنهم المظالم، وأن يعطوا كافة الحقوق التي فرضتها شرائع السماء وقوانين الأرض، بل المأخذ في حالة "التقديس" لمفهوم الشعب الذي هو مفهوم كلي
قامت مجمل الحركات الإسلامية السياسية على فكرة "الحاكمية"، والتي من خلالها أسسوا لمبدأ مصاولة الحكومات، وأوصلتهم إلى تكفير الحكام، وقد وصل الحال إلى تكفير عموم المسلمين، ووصف مجتمعاتهم بأنها مجتمعات جاهلية، وقد كان لأبي الأعلى المودودي وسيد قطب قصب السبق في بث الفكرة في وعي الجماعات المعاصرة، حتى إن سيد قطب يرى أن المجتمعات مهما بلغت في التقدم والتطور فهي مجتمعات جاهلية إذا لم تقم بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد دار السجال الشهير بين الأستاذين سيد ومالك بن نبي حول مفهوم الحضارة بناء على القراءة المعيارية التي تبناها سيد قطب، والقراءة السننية التي تبناها مالك بن نبي حول مفهوم: الحضارة والنهضة.
لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين هي أشهر الجماعات الإسلامية امتدادا وحركية في خارطة العالم الإسلامي، وذلك لمرونة شروطها، وبرجماتيتها السياسية والفكرية، ومراوحتها الحركية التي تجعلها قابلة للتأقلم مع أي فكرة، ومع ذلك فالأرضية التي قامت عليها هي فكرة "الحاكمية وتطبيق الشريعة"، المبدأ الذي جعلته دستورا لها، وكانت تربي أتباعها على أن الإصلاح الذي يبدأ من الهرم هو الإصلاح النافع والذي يحقق للأمة النهضة، وكان (الإسلام هو الحل) هو الشعار الأكثر تداولاً في شعاراتها السياسية على مدار الستين سنة الماضية، إلا أن حجم التنازلات الذي تبديه الجماعة في جانب الفكر والسلوك والعلاقات مع الآخرين جعل هذا الشعار فضفاضا وواسعا بحيث لا يبقى من الشعار إلا اسمه، ومن المبدأ إلا رسمه، حتى قامت الثورات العربية فأنتجت طرح السؤال الجديد حول مفهوم الحاكمية حين اقتربت الجماعات الإسلامية من تسلم الحكم، وأصبحت على المحك في تطبيق المبدأ الذي ضحت لأجله سنوات طويلة، إلا أنها لم تصل إلى هذا المبدأ حتى ذابت أكثر تعاليمه، وحلحلت أكثر قضاياه، فما هي إلا خطوات قليلة حتى تتصالح هذه الجماعات مع الطرح العلماني للحكم والسياسة والتي كانت المعركة ضروساً بين الفريقين على مدار السنوات الماضية.
لقد انتقل الفكر السياسي الإسلامي من (سيادة الشريعة وحكاميتها) إلى إحلال صنم جديد يتمثل في (سيادة الشعب وحاكميته)، وإن كانت القومية العربية التي تتأسس على أرضية علمانية قد قامت بعد سقوط المنظومة العثمانية على مبدأ الحرية والديمقراطية والعدالة، تلك المفاهيم التي دبجت آلاف الكتب والدراسات الإسلامية في نقضها والحط منها، إلا أن الإسلاميين السياسيين أصبحوا أكثر الناس ترديدا لهذه الشعارات، بل وتطرفاً في حملها حتى بدؤوا يزايدون العلمانيين في التنازلات، ولم تكن القضية عند هؤلاء قضية (طبيعة مرحلة وظروفها)، بل أصبحت تأسيساً علمياً ونظرياً يتم من خلاله "أسلمة" هذه المفاهيم العلمانية، فالتقى الفريقان على أمر قد قدر، وأصبحت الديمقراطية التي كانت تلعن في الصباح والمساء هي أكسير الحياة للأمة، ولا طريق للخلاص والنهضة إلا من خلالها، أخذوها بكافة حمولتها الفكرية والثقافية، ولم يستثنوا منها شيئا إلا بإضافة (وفق الضوابط الشرعية)، فالشعب له أن يرفض الشريعة، وفق الضوابط الشرعية، ولا سيادة فوق سيادة الشعب، فأصبحت كلمة "الشعب وسيادته" هي التقليعة التي يتغنى بها هؤلاء، جاعلين من الشعب قضية كلية خارج الذهن، له حق التشريع والسيادة والتصرف، فانتقلوا من غلو في حمل مفهوم "الحاكمية" إلى غلو مقابل في حمل مفهوم "الشعب" حتى أصبحت الفكرة تتجاوز الرؤية السياسية لتمثل فكرة عقدية يوالى ويعادى الناس من خلالها، بل ولربما وصل الحال إلى تكفير من يعترض على سيادة الشعوب وسلطتها المطلقة.
المأخذ ليس على تقدير حق الناس في أن يحكموا بالعدل والقسط، وأن ترد عنهم المظالم، وأن يعطوا كافة الحقوق التي فرضتها شرائع السماء وقوانين الأرض، بل المأخذ في حالة "التقديس" لمفهوم الشعب الذي هو مفهوم كلي، فحق الشعب ليس في أن تتحول أكثريته إلى سلطة دكتاتورية لها أن تفعل ما تشاء، بل حق الشعب في أن يعطى حقوقه، مع مراعاة أن الشعوب هم مجموعة من الناس المنضوين تحت راية أو سلطة سياسية في بلد معين وفق المفاهيم الحديثة للدولة، ولكن هؤلاء مختلفون في مستويات التفكير والقدرات والنزعات العرقية والطائفية والمذهبية، وافتراض حاكميتهم وسيادتهم تتطلب اتفاقهم على كل مبدأ، والديمقراطية من قديم هي محاولة لإبراز رأي عموم الناس، ولكنها في نفس الوقت وقعت في إشكاليات كثيرة، وسلطت الأكثرية على الأقلية، وحرمت الأقليات من حقوقها في مقابل الأكثرية التي هي متنازعة في أساس طريقة الانتخاب والتمثل من قبل ممثليها وتعبيرهم عن إرادة الأفراد في كل قضية إلى غير ذلك من الإشكاليات الفكرية والسياسية التي تحتاج لإفراد في مقالات، فالمراد هنا إبراز الانفصال بين الطرح الرومانسي حول قضية "الشعب" وحاكميته الذي هو تصور ذهني كلي لا يوجد في الخارج، وإحلال مفهوم سلطة الشعب محل سلطة الشريعة، وهو تحول في الرأي الإسلامي، وتنازل يجعل الثورات العربية بغض النظر عن محركها ودوافعها تقضي على الإيدولوجيا التي قامت عليها هذه الحركات الإسلامية، فهي قد تقدمت أي الجماهير بمشروع الهدم والإسقاط للنظم السياسية، فاعلة الأمر الذي عجزت عنه كل هذه الأيديلوجيات السياسية الإسلامية والقومية عبر السبعين سنة الماضية، مخلفة وراءها فلولاً من العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين الذين بدؤوا في مجاملة الجماهير ومغازلتها، وتقليدهم القلائد الفاخرة، ولسان حال واحدهم (أنا قائدكم فدلوني الطريق)، حتى بدؤوا يزايدون أيهم يدبج المقالات في سلطة وسيادة وحاكمية الجماهير، فانقلبت الصورة وتحول المشهد من جماهير تتبع العلماء والمثقفين، إلى علماء ومفكرين يتبعون الجماهير، وفي أثناء ذلك ضاعت كل تلك الجهود الرامية إلى تطبيق الشريعة وحاكميتها.
إن الثورات العربية أعادت وهج الشعارات القومية، ولكنها ألبست هذه الشعارات بإيهاب إسلامي لا يرى منه إلا قشره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.