تصدر بيانات بين فينة وأخرى لتحمل رأياً في مسألة تشريعية أو قانونية أو سياسية في المملكة العربية السعودية. وما يعرف ببيانات العلماء والمثقفين والتي كثيرا ما تحدث بعد أي جدل قانوني أو سياسي أو فكري في قضايا داخلية، أصبحت إحدى صور التعبير السياسي في دولة لا يوجد فيها أحزاب سياسية. ولكون البيانات حلت من الناحية العملية مكان التعبيرات السياسية المعتادة والانتماء والولاء ، فلي وقفة مع أهم فئات المجتمع وسلطاته وهي السلطة القضائية المتمثلة في القضاة. إذا علمنا أن القاضي هو شخص له ولاية يحكم بين المتنازعين بالعدل بعيداً عن أي مواقف مسبقة أو تحامل ضد أي طرف وإنما استنادا إلى الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية والقانون في أي دولة أخرى، ومن خلال ذلك يتضح أن للقاضي صفة مستقلة ينبغي ووفق معظم الدساتير بما في ذلك الإسلامية أنه يمنع على القاضي وعضو الادعاء العام الجمع بين الوظيفة القضائية والوظيفتين التشريعية والتنفيذية وأي عمل آخر ، كما يحرم عليه الانتماء إلى أي حزب أو منظمة سياسية أو العمل في أي نشاط سياسي ، لأنه يحمل شخصية اعتباريه تتمثل في سيادة القانون بعيدا عن شخصيته الاجتماعية التي تتعاطف مع أي قضية. اليوم وباستقراء سريع لمعظم البيانات التي صدرت في السعودية نجد من ضمن الموقعين على البيان عددا متوسطه لا يقل عن اثنين هم من القضاة الذين يوقعون على البيان بأسمائهم وصفتهم القضائية ، فتجد اسمه ذيل بالقاضي بالمحكمة الفلانية أو رئيس محكمة كذا.. وهنا لي تعليق حول مشروعية توقيع القضاة على هذه البيانات، إذ إنه يتعارض مع استقلاليتهم حيث إنهم في البيان ينصرون رأيا أو جهة أو توجها ضد آخر، وهو أمر مرفوض من قبل القضاة، وهنالك مثال يمكن أن أسوقه لتتضح الصورة، فمثلا في أحداث سيول جدة نجد أن هناك بيانا للعلماء وطلبة العلم والدعاة بجدة حول السيول 1430ه وفيه نقطة تقول: إن من أسباب الكارثة عدم التخطيط الجيد لمحافظة جدة في عدة مجالات منها تصريف السيول والصرف الصحي وعدم مراعاة أماكن الأودية وغيرها، ومن الأسباب أيضا الفساد الإداري وما ينتج عنه من صرف للمال العام بغير وجه حق من جهة، وتضييع لحقوق المواطنين من جهة أخرى، وذلك من خلال عدم تنفيذ المشاريع أو تنفيذها بمواصفات أقل. وذيل بتوقيع رئيس محكمة وقاض بالمحكمة العامة وقاض في ديوان المظالم! وهو حكم مسبق على جهة معينة بالفساد والتخاذل وغير ذلك. تُرى لو أحيلت هذه القضية إلى أحد أولئك القضاة، فكيف يمكن التعامل معها على أسس العدل والنزاهة والبحث عن الحقيقة؟ هذا مثال واحد وصريح، وتجنبت أمثلة أخرى قد تكون مثار جدل وتجاذب بسبب مواقف اجتهادية ، لذا أعتقد أنه من حقي أن أطرح سؤالا: أليس من المفترض أن يكون القاضي مدركا لمثل هذه الملابسات من الأساس، وهي لا تحتاج إلى تنبيه ومنع؟ وهل هي مسؤولية مجلس القضاء والتفتيش القضائي أم وزارة العدل ولاسيما إذا تبنى قاض ما موقفا سياسيا أو قانونيا من قضية ما؟ أعتقد أننا في مرحلة تطوير القضاء لابد أن تتضح الاستقلالية التامة للقاضي من خلال معرفته بحدود المشاركة السياسية والقانونية في البلد، ولاسيما أننا مقبلون على انفتاح أكبر ربما يغري بعض القضاة في الدخول في مجالات السجالات المحرمة على جميع القضاة لتحقيق صفتهم المستقلة.