الاقتصاد تطلق مبادرة "رواد الاستدامة"    10 اتفاقيات لتطوير المياه المجدّدة واستدامة الزراعة    بيان الرياض حول جهود تنفيذ حل الدولتين    الربيعة يبحث مع بيل غيتس التعاون الإنساني    تشكيل الهلال المتوقع في الكلاسيكو أمام الاتحاد    الصحة: تعافي معظم مصابي التسمم الغذائي    مشروعات تطوير البنى التحتية الجديدة في محافظة جزر فرسان تجاوزت ال 16.5 مليون ريال    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.535 شهيدًا    مركز الملك سلمان للإغاثة يوقع على ميثاق صندوق العيش والمعيشة التابع للبنك الإسلامي للتنمية    التشكيل المتوقع لمواجهة ريال مدريد وبايرن ميونيخ    جامعة نايف العربية تفتتح في الرياض ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات حول مكافحة تمويل الإرهاب    فيصل السابق يتخرج من جامعة الفيصل بدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الثانية    محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في حفل الأهالي لزيارة أمير منطقة الرياض    الشِّعر والنقد يفقدان النموذج الإنساني «عبدالله المعطاني»    طعن واقتحام ودماء.. ثلاثيني يروّع لندن    الدفاع المدني يدعو إلى عدم الاقتراب من مجاري السيول وتجمعات المياه أثناء هطول الأمطار    "ترابط الشرقية" تنال جائزتين من جوائز جلوبال العالمية في مراكش    إطلاق هاتف Infinix GT 20 Pro الرائد    الفرص مهيأة للأمطار    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولارًا للأوقية    تعاون "سعودي – موريتاني" بالطاقة المتجدِّدة    "هورايزن" يحصد جائزة "هيرميز" الدولية    وزير الدفاع يحتفي بخريجي كلية الملك فهد البحرية    افتتاح معرض عسير للعقار والبناء والمنتجات التمويلية    بطولة عايض تبرهن «الخوف غير موجود في قاموس السعودي»    العميد والزعيم.. «انتفاضة أم سابعة؟»    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    تسجيل «المستجدين» في المدارس ينتهي الخميس القادم    أخفوا 200 مليون ريال.. «التستر» وغسل الأموال يُطيحان بمقيم و3 مواطنين    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    العربي يتغلب على أحد بثلاثية في دوري يلو    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    «الكنّة».. الحد الفاصل بين الربيع والصيف    توعية للوقاية من المخدرات    (ينتظرون سقوطك يازعيم)    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل سفير جمهورية إندونيسيا    بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي.. إنشاء" مركز مستقبل الفضاء" في المملكة    لوحة فنية بصرية    وهَم التفرُّد    عصر الحداثة والتغيير    أمير الشرقية يدشن فعاليات منتدى التكامل اللوجستي    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    قمة مبكرة تجمع الهلال والأهلي .. في بطولة النخبة    تمت تجربته على 1,100 مريض.. لقاح نوعي ضد سرطان الجلد    إنقاص وزن شاب ينتهي بمأساة    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    السابعة اتحادية..    دافوس الرياض وكسر معادلة القوة مقابل الحق    ولي العهد ووزير الخارجية البريطاني يبحثان المستجدات الإقليمية والتصعيد العسكري في غزة    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !        اليوم.. آخر يوم لتسجيل المتطوعين لخدمات الحجيج الصحية    إنقاذ معتمرة عراقية توقف قلبها عن النبض    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار الحضارات والثقافات .. هل يجسر الهوة بين الشرق والغرب ؟
نشر في اليوم يوم 02 - 08 - 2012

لا يختلف كثيرون على أهمية المكون الحضارى فى حياة الشعوب، وأهمية أن يقود المكون الحضارى إلى رفاهية البشر وحل اشكاليات الاختلاف الثقافى والسياسى والدينى بين الشعوب، عبر الحوار الذى دعى إليه جوهر الحضارة بشكل عام فى جوهر كل حضارة من الحضارات القائمة،
غير أنه فى العقود الأخيرة التى تقدمت فيها الايدلوجيا السياسية للحضارات على الايدلوجيا الثقافية والانسانية وربما الاقتصادية كما يرى العديد من المثقفين، تقدمت معها أجندات « الصراع والصدام الذى أرخ له مفكرون غربيون مثل صمويل هانتنجتنون فى كتابه الشهير « صراع الحضارات « فى منتصف التسعينات الذى كان عنوان حقبة الحقب السياسية الصدامية بين افكار الشرق والغرب والتى جاءت مواكبة لظهور حركات الاسلامى السياسى وأوج الصدام بينها وبين النظم ورحلتها الى افغانستان ثم صدامها مع الغرب الذى لا يزال قائما ولم يتبعد هذا التأصيل الفكرى والثقافى عن تشكيل محاور قوة لاذكاء الصدام بين الحضارات مثل المحافظين الجدد ووثائقهم والتى كان أهمها « وثيقة القرن الامريكي الجديد « والاستفاضة فى الحديث عن « مشروع الشرق الاوسط الكبير والفوضى الخلاقة «.
مشروع سياسي
وعلى الرغم من توارى الحديث عن هذه المشروعات على الرغم من تداعياتها القائمة سواء كانت في الحرب على العراق كما يقول ابراهيم نوار كبير المستشارين السياسيين لبعثة الأمم المتحدة السابق فى العراق، بأنه فعليا كان هناك مشروع سياسى قائم سمعنا عن مقدماته فى نهاية السبعينات وتبلورت ملامحه فى الثمانينات ثم التسعنيات بدأ يخرج إلى حيز التنفيذ، وحينها على هامش الاجتماعات الخاصة بالدول الكبرى كثير ما كنا نقرأ ونطلع على الكثير من تفاصيل تلك المشروعات بين سطور مقالات صناع القرار فى العالم لاحقا وبعد أحداث سبتمبر 2011 تقريبا وناتج مراكز الدراسات الامريكية فى هذا السياق لكن لم يكن مطروح أى سياق حقيقي لحوار، كان الاطار العام هو الحديث طروحات أيدلوجية تدور فى فلك سياق صراع الحضارات ونهاية التاريخ، ومفهوم أن قدرا مهما من الأوضاع السياسية فى بغداد أحد رموز الحضارة العربية التي حاول الاحتلال الامريكي تدميره ومعارك الهوية كان واضحا تماما فى هذا المشروع .
أزمة فكر اضطهادي
بالمقابل لم يجد الكثير من المفكرين أن السياسات الراهنة فى العالم مشجعة على الدخول فى حالة حوار يمكن أن تنهى أزمة الفكر الاضهادى المتبادل بين الشعوب، فعلى الرغم مما ارتأه البعض أن وصول ادارة ديمقراطية لحكم الولايات المتحدة تكون معنية بتصحيح الصورة الامريكية وكأنها تحارب العالم بأسره، هكذا يقول على بكر الباحث المتخصص فى شئون الحركات الاسلامية فى مركز الاهرام للدراسات السياسية مضيفاً «كانت هناك محاولات فردية فى العالم العربى لديها نزعة السلام العالمى بادرت الى تقديم اطروحات حول حوار الحضارات والبعض حاول التركيز على العلاقة بين الدينى والسياسي فى الحوار بين المجتمعات لكن فى الحقيقية كانت الاشكاليات أكبر».
المحاولات الرسمية تبدو متواضعة وفردية وبعض التجارب الناجحة تحولت لمجرد أطروحات أكاديميةالتداخل السياسى الدينى كان أوج مراحله فى الحرب العراقية والصراع المذهبى هو القادم على أجندة الصراع الحضارى
افتقاد الحوار
ويضيف «كيف يمكن للعربى المسلم أن يتطرق لتطورات القضية الفلسطينية والصراع مع اسرائيل، او ينظر اليوم إلى الأوضاع فى بورما، او افغانستان، والبوسنة وكشمير، دون التطرق الى نظرية المؤامرة، وبالتالى هناك شعور بأن الغرب إن لم يكن يتآمر فهو غير منصف لقضايا العرب والمسلمين، وبالتالى ففكرة حوار الحضارات غير رائجه ولم تكتسب أرضية يتساوى عليها الجميع .
لكن بكر حمل العالم العربى ايضا قدرا من اشكاليات افتقاد الحوار مع الآخر، اذ يقول « للاسف لدينا ثقافة تنامت بالتوازى ترفض الاخر والبعض حاول الاستناد فى بعد الأفكار على الاستناد على ارضية دينية متشددة ،تستند لمورث ثقافى دينى اجتهادى بالاساس يمكن أن يكون محلا لاعادة النظر طالما بقينا فى دائرة الاجتهادات».
وفى ظل تنامى المخاوف الصراع الحضارى كان من بين نقاط الضوء فى نهاية النفق المظلم فى هذا الملف دور لعبته مؤسسة الفكر العربى التى حاولت عبر الكثير من الاطلالات النقاشية التى توجت فى مؤتمرات وندوات وكتب وبرامج لمحاولة بث ثقافة الحوار الحضارى، لكنها بقيت فى النهاية أيضا مجرد محاولة محدودة الأثر كما يقول بكر .
على جدول اشكاليات الحوار الحضارى فى المنطقة استدعى البعض فكرة تأجج صراع الحضارات على الاساس الطائفى وتغذية العنف الدينى على غرار العنف السياسي كما يرى المفكر والكاتب السياسى هانى شكر الله، حيث يقول « إنه يبدو أن حقبة الصراع القادمة والتى يجرى ترتبيها الآن يبدو أنها أوراق طائفية، وهو الاصعب «. هل يمكن تغافل محاولات ايران وحربها الطائفية فى العراق، ونفس الدعم لنظام بشار الاسد على اساس الطائفةالعلوية ودعم الحوثيين فى اليمن وغيرها وهو ما يجد من قناعات مقابله للمواجهة على الطراف الاخر.
مخاوف راهنة
على الجانب الآخر من محاولات التركيز على حوار الحضارات كانت الادارة الامريكية الحالية لديها محاولات لاجتثاث تلك المخاوف الراهنة إزاء اشكاليات حوار الحضارات واستخدام سيف الامبراطورية الامريكية فى خلق مناخ صدامى مع العرب والمسلمين، فكان هناك مؤتمرات عدة وخطابات ركزت على هذا المضمون من الافكار سواء ما ورد منها فى خطابات الرئيس الامريكي نفسه للعالم الاسلامى من تركيا ومصر حيث كان خطاب جامعة القاهرة الشهير أو مؤتمر الاسكندرية بعدها الذى حضرته وجوه امريكية اسلامية من مستشارى أوباما محاولة لم تمتد كثيرا ويبدو أنها وجهت بالكثير من العوائق .
مسحة إحباط
لكن الكاتب صبرى سعيد مسؤول الاعلام الخارجى فى وزارة الثقافةالمصرية يقول إن هناك مسحة من الاحباط فى السابق لدى الكثير من المعنيين بالحوار الحضارى تسببت فيه لغة العنف فى العلاقة بين السياسي والدينى، ويضيف لدينا تجربة تعتبر رائدة سواء على مستوى الترجمة أو الحوار الحضارى عبر الكثير من الانشطة التفاعلية مع بلدان العالم فى كل مكان لكن من الواضح أن الفنون تعطى انطباعاً أكثر فى التواصل الحضارى لتجاوزها الكثير من عقبات اللغة أو النمط الاكاديمى، ويضيف وشكلت هذه المحاور نوعا من الاسس التى تمثل قوة للدول ذات التاريخ الحضارى أو التى تعرف سياسيا ب»القوى الناعمة «
ويضيف سعيد بعيدا عن التشاؤم أيضاً، ساهمت المنجزات التكنولوجية فى تخليق واقع افتراضى تواصلى بين متعددى الثقافات والهويات وحركة ملايين البشر فى هذا العالم الافتراضى قدمت تطورا سياسيا معنيا تمثل فى صورة الربيع العربى على سبيل المثال لكن البحث فى قيم العدالة الاجتماعية والحرية كانت هى الاهم فى هذه المنظمة التى اتصور انها أحد أنماط التواصل الحضارى التى كرست لسلوك حضاري بعيدا عن أفكار نمطية أو متشددة، ولابد من التطرق إلى وسائل القوى الناعمة كوسيلة للتعاون الحضارى بدلا من التركيز على الصراعات السياسية والمذهبية. ويقول سعيد : إن المسافات الوجدانية الحضارية على هذا النحو تعتبر أحد أهم منجزات عالم صدامى السياسيات، وهناك من أدوات الحضارة الحالية ما يمكن الاعتماد عليه فى تقريب تلك المسافات التى بعدت عن أكلاشيهات ذاك الصراع .
مبادرة الملك عبدالله لحوار الأديان والثقافات .. قفزة تسامح في فضاء التصارع
«جئتكم من مهوى قلوب المسلمين، من بلاد الحرمين الشريفين، حاملاً معي رسالة من الأمة الإسلامية ممثلة في علمائها ومفكريها، الذين اجتمعوا مؤخراً في رحاب بيت الله الحرام؛ رسالة تعلن أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح، رسالة تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان، رسالة تبشر الإنسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع».
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز
مبادرة الملك عبدالله لحوار الأديان والثقافات.. قفزة تسامح في فضاء التصارع
زيارة الفاتيكان خطوة تاريخية لإرساء المحبة ومؤتمرا مدريد ونيويورك حظيا بتأييد دولي
لقد أصبح الدين محركاً أساسياً في ساحات السياسة والعلاقات الدولية. ففي الوقت الذي أصبح فيه العالم أكثر ترابطاً بسبب العولمة، ازداد كم التفاعل بين الثقافات والأديان المختلفة، وأصبح هناك العديد من الأحكام الخاطئة التي تُصنف الآخرين وتضعهم ضمن أُطرٍ معينة تبعاً لمعتقداتهم الدينية أو انتماءاتهم السياسية. في وقتنا الحاضر -على سبيل المثال- أصبح الشغل الشاغل هو ما الفرق بين المسلم والمسيحي واليهودي.
وبعد أن استحكم عداء وشك كبيران، خاصة بعد أحداث سبتمبر المشؤومة، وقع العالم في صراع هائل، كان لا بد من وقفة حكيمة تنبه الشعوب التي تتشارك في الحياة على كوكب الأرض، بأن هناك ما هو مشترك بيننا، لذا وفي شهر يونيو من عام 2008، أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نداءه بضرورة إقامة حوار بين أتباع الأديان والشرائع السماوية (الإسلام والمسيحية واليهودية) للبحث الجدي عما ينزع الضغينة ويوقف حملات الكراهية المتبادلة وبعنف قبل أن تستفحل وتضع الجميع فوق فوهة البركان.
ترحيب دولي
رسالة الملك عبدالله التي لاقت ترحيباً واسعاً من القادة المسيحيين واليهود والمسلمين تأتي في وقت تعثرت فيه مبادرات السلام، وتصاعدت فيه أجواء التوتر في العالم كله. إن مبادرة الملك عبدالله التي تستلهم المبادئ الإسلامية الداعية إلى عالم يسوده العدل والأمن والسلام، تعكس رغبة المسلمين في التعايش السلمي والتفاعل الإيجابي مع أتباع الأديان الأخرى والثقافات المختلفة. كان هذا النداء جليلاً بقدر صاحبه، فهو خادم الحرمين الشريفين، وقد أعلن الملك عبدالله أن دعوته تستند إلى تأييد كبار رجال الدين والأئمة في المملكة، وهو ما يمثل دعماً لا غنى عنه في مجتمع يؤمن بأن قرارات حاكمه تستند في الأساس على المبادئ الإسلامية. تلك المبادئ التي تنص على أن الرسائل السماوية كلها قد ُأنزلت لتهدي البشر إلى عبادة الله الخالق بالطريقة التي فرضها سبحانه وتعالى، ولتخلص الإنسانية من ويلات الظلم والفقر والتفرقة العنصرية، كما دعت إلى إعلاء القيم الإنسانية التي تعزز العدل الاجتماعي.
مبادئ المبادرة
تقوم مبادرة الملك عبدالله لحوار الثقافات والأديان على المبادئ الرئيسية التالية:
أ‌) نبذ التفرقة العنصرية، والتخلي عن فكرة أن هناك جنسا أسمى من آخر فالناس كلهم سواسية، يتمتعون بالمنزلة الإنسانية ذاتها؛ أي إنهم لا يتفاضلون فيما بينهم بالعرق أو اللون أو الجنس.
ب‌) التنوع والاختلاف في الأعراق والطوائف البشرية ينبغي أن يترتب عليه حدوث التفاهم والتعاون فيما بينهم.
ج‌) تباين الطوائف الإنسانية وتنوعها بحسب الأصل أو الدين هو أمر قد قدره سبحانه وتعالى وقضى به، ولذا فمن الواجب على أصحاب الحكمة والعقل أن يسعوا بالرغم من اختلافاتهم إلى إيجاد أرضية مشتركة يمكنهم من خلالها تحقيق الاحترام المتبادل وسعادة البشرية. د‌) مواجهة التحديات الاجتماعية المشتركة، في ظل عالمٍ مُغرقٍ في الحياة المادية، يعاني من تفسخ العلاقات الأسرية وتحلل القيم الأخلاقية التي تنادي بضرورة التعاون للتخفيف من وطأة تلك المشاكل، وذلك من خلال تشاطر الخبرات التي قد تسهم في إيجاد حلول فعالة.
خطوات تاريخية
بدأ الملك عبدالله رحلة حوار الأديان منذ أكثر من خمسة أعوام في مكة المكرمة، عندما دعا قادة العالم الإسلامي إلى الاجتماع في المدينة المقدسة لبحث قضايا التطرف، ودعا إلى نهضة إسلامية. وفي مارس 2008 أعلن الملك عبدالله عن رغبته في إقامة حوار بين الأديان السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية. كما قام الملك بزيارة إلى الفاتيكان حيث التقى ببابا الفاتيكان بنيدكت السادس عشر، ونقل إليه رغبته في إقامة السلام والتسامح. كانت تلك الزيارة بمثابة بداية لعهد جديد في العلاقات بين الديانات السماوية الثلاث.
مؤتمر مدريد
وفي يوليو عام 2008، حضر المؤتمر العالمي للحوار بين الأديان الذي عقد بمدريد ما يقرب من 300 وفد ممثلين لديانات المسيحية والإسلام واليهودية، كذلك عقائد الهندوسية البوذية وغيرها من المعتقدات الأرضية الأخرى من مختلف أنحاء العالم. كان هذا المؤتمر أيضاً منعقدا تحت رعاية الملك عبدالله وبدعم من الملك الأسباني خوان كارلوس ورئيس الوزراء الأسباني رودريجز ثاباتيرو. في هذا المؤتمر دعا قادة العالم إلى عقد اتفاق عالمي لمكافحة الإرهاب، كما نادوا إلى وحدة البشرية جمعاء، وإلى المساواة بين البشر بصرف النظر عن لونهم أو خلفيتهم العرقية أو الثقافية، وتجنب الظلم، والحفاظ على تنوع الثقافات والحضارات. كما حث المؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تقديم دعمها لتوصيات المؤتمر، ودعا الجمعية العامة إلى أن تعقد جلسة خاصة بالحوار
اجتماع أممي
وفي نوفمبر من عام 2008، اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث مبادرة الملك عبدالله لحوار الأديان، شارك في تلك الجلسة أكثر من ستين من قادة العالم من بينهم الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني جوردون براون والرئيس الباكستاني آصف علي زرداري.
استمر مؤتمر حوار الأديان ليومين تحت مسمى «الاجتماع عالي المستوى لثقافة السلام» وعقد بمقر الأمم المتحدة يومي 12 و13 نوفمبر عام 2008 لنشر ثقافة السلام والحوار بين أتباع الديانات المختلفة. قام رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ميجيل ديسكيتو بروكمان بتوجيه الدعوة إلى قادة الدول الأعضاء البالغ عددها 192 دولة بالإضافة إلى مراقبين، كان من بين الحضور الرئيس الأمريكي جورج بوش، والرئيس اللبناني ميشيل سليمان، والعاهل الأردني الملك عبدالله، ورئيسة الفلبين جلوريا أوريو، والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات العربية المتحدة.
نداء موحد
إن المنتديات العالمية التي ُعقدت من أجل إقامة حوار بين الأديان قد وفرت أرضية خصبة وأساساً متيناً لفهم الأديان المختلفة بشكل أفضل في محاولة لإقامة السلام. عندما ننظر إلى التأثير المتزايد لعناصر ومجموعات غير دولية على ساحة العلاقات العالمية وتفسير تلك العناصر للدين بشكل خاطئ أو إساءة فهمها له، فمن المنطقي أن يكون النداء الموحد والمستمر للتعايش السلمي هو سبيل المجتمع إلى الحيلولة دون تفسير أحداث العنف بشكل خاطئ أو تخفيها وراء قناع الدين.
بالرغم من الاختلافات بين الأديان في طريقة العبادة والاعتقاد، إلا أن هناك تعاليم ومبادئ مشتركة بينها جميعاً؛ ألا وهو السلام. تلعب منتديات حوار الأديان العالمية دوراً مهماً ورئيسياً في توضيح مدى أهمية الدين في ساحة الشئون العالمية، وكيف يمكن للقيم المشتركة بين الأديان أن تفيد في تحقيق السلام.
خادم الحرمين الشريفين نجح في إزالة الهوة وأعاد روح التعايش للصورة الإسلامية
أكدد عدد من خبراء السياسة ورجال الدين على دور المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين في نشر ثقافة الحوار بين الاديان والحضارات والدعوة لنشر العدل والسلام وتحقيق الأمن والاستقرار بين الشعوب مدللين على ذلك بالجهود المبذولة من قبل المملكة في تأسيس مركز للحوار بين الحضارات.
جهد كبير
في البداية يؤكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق أن المملكة السعودية تبذل جهدا كبيرا في نشر السلام والعدل بين الدول فهي تعتبر من أكثر الدول التي تسهم في تعميم ثقافة الحوار بين الاديان وإشاعة السلام ونبذ التفرقة، مشيرا إلى دور خادم الحرمين الشريفين في ذلك ودوره الكبير في نشر الحوار بين الحضارات على المستوى العربي والعالمي وهذا يوضح حرص جلالته على قضايا السلام والاستقرار.
الدعوة للتعايش السلمي
ويوضح اللواء طلعت مسلم الخبير الاستراتيجي بمركز الأهرام، الدور الكبير للمملكة في رفع راية السلام في جميع المحافل الدولية والتي تدعو للتعايش بين الأمم ومكافحة الإرهاب ودعوتها لتوظيف الطاقة الذرية والنووية في الأغراض السلمية بالاضافة الى العمل على اقامة الصلات الوثيقة بين الافراد والجماعات.
ويشير مسلم إلى أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين في الحوار بين أتباع الأديان والحضارات أكبر دليل على دور المملكة في هذا الأمر، فالمبادرة كانت تهدف إلى بث روح التعايش المشترك ونشر السلام، ونشر ثقافة الحوار بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات المتنوعة.
مكافحة الإرهاب
ويؤكد الدكتور أحمد محمود أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة أن هناك جهودا كبيرة مبذولة من المملكة العربية السعودية على المستوى الدولي أو العالمي لإرساء ثقافة الحوار بين الحضارات والدليل على ذلك تأسيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية المعاصرة، وحوار الحضارات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم هناك جهود كبيرة على المستوى الدولي أو العالمي تتضح بداية من مؤتمر الحوار الإسلامي بمكة المكرمة ثم مؤتمر الحوار العالمي في مدريد ثم الاجتماع العالمي بهيئة الأمم المتحدة في نيويورك وتبني الأمم المتحدة مبادرة خادم الحرمين الشريفين في نشر ثقافة الحوار بين أتباع الأديان والحضارات، وتأسيس مركز الملك عبدالله العالمي للحوار في مدينة فينا بالنمسا.
وأضاف أستاذ الفلسفة الاسلامية أن ما تفعله المملكة يتماشي مع سياستها فهي بلد إسلامي والاسلام يهدف الى التعايش والعدل والسلام وتجنب المصادمات بين الدول وهذا ما تقوم به المملكة في المنطقة العربية والعالم بأكمله، مشيرا إلى أن المملكة وضعت لها منذ تأسيسها إستراتيجية لإشاعة العدل والسلام ومكافحة الإرهاب وتعزيز دور المنظمات العالمية معتبرة في ذلك الحوار جزءا من عقيدتها الإسلامية الذي هو أمر تحفز إليه الشريعة الإسلامية.
دور خادم الحرمين الشريفين
من جانبه أكد بدر الشافعي الباحث السياسي أن خادم الحرمين الشريفين له جهود كبيرة في ارساء ثقافة الحوار بين الحضارات سواء كان ذلك على المستوى العربي أو الاقليمي أو الدولي وذلك بهدف التعايش بين الشعوب ونشر العدل والسلام والأمن وتكوين علاقات قوية بين دول العالم وهذا يتماشى مع السياسة الخارجية للمملكة.
وقال الدكتور مصطفى السواحلي أستاذ بجامعة الأزهر، إن خادم الحرمين الشريفين يعد من رواد نشر وتبادل الثقافات بين الشعوب، فهو يقوم بدور كبير في هذا المجال عن طريق تأسيس مراكز للحوار وجولاته في العالم من أجل نشر السلام ودعواته إلى توظيف الطاقة النووية في المجال السلمي، وسعيه إلى حل القضية الفلسطينية حتى يتحقق الاستقرار والأمن في المنطقة.
صراع الحضارات والثقافات حقيقة وليست وهما والمشكلة فى موقف الغرب
الصدام بين الحضارات والثقافات حقيقة واقعة حتى قبل أن يطلق المفكر الأمريكى «صامويل هنتنغتون» نظريته فى هذا الشأن فى مطلع تسعينيات القرن الفائت بعد سقوط الاتحاد السوفيتى القوة العظمى التى كانت مناهضة للغرب ولكن هذه النظرية جاءت لتلفت الى أن الصراعات في المستقبل « ستكون أكثر وأعنف ما يكون على أسس ثقافية (غالباً حضارية. مثل الحضارات الغربية، الإسلامية، الصينية، الهندوكية...) بدلاً من الأسس العقائدية كما كان الحال خلال الحرب الباردة ومعظم القرن العشرين «.
ولقد أثارت نظرية «صدام الحضارات» جدلاً واسعاً بين المفكرين، وانقسم الناس بين مؤيد لها، وبين معارض لها، فذهب بعض المفكرين إلى حتمية الصراع والصدام بين الحضارات، وأن هذا أمر لا مفرّ منه، بينما ذهب البعض الآخر إلى نفي وجود مثل هذا الصدام.
ضبط المصطلحات
وفى البداية يقول الدكتور سامح راشد الباحث بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية و نائب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية: لدى معالجة هذه القضايا ذات الطابع الثقافي والخاصة بالتفاعل الإنساني، ينبغي ضبط المصطلحات والتدقيق في المسميات.وفي هذا الخصوص فإن تعبير صدام / حوار الحضارات بحاجة إلى مراجعة. إذ يفترض هذا المصطلح مسبقاً أن ثمة تعارضاً بين الحضارات وبعضها البعض، قد يتسع فيصل إلى حد الصدام، أو ينحسر فيسمح بحوار أو تواصل بينها. في حين أن الحضارة التي تشير في معناها الشامل إلى منظومة القيم والخصائص الإنسانية (الفردية والجماعية) المميزة والأنساق الثقافية الحاكمة لمجتمع معين من البشر؛ يصعب كثيراً تقبل أن تدخل في صراع أو معركة مع غيرها من الحضارات. لسبب بسيط هو أن التباين أو حتى الاختلاف بين بعض القيم والخصائص والأنساق الثقافية، يظل تبايناً في الأولويات والأهمية وليس خلافاً مطلقاً،و بالتالي فالقيم الإنسانية واحدة ولا خلاف حولها إلا في الأولوية أو أحياناً في التسمية. فمثلاً لا توجد حضارة إنسانية أو مجتمع بشري -مهما كان متخلفا- لا يؤمن بالعدل أو المساواة أو المحاسبة وغيرها من القيم والمبادئ، بما فيها الجهاد أي التحرك لدفع ظلم أو دفاعاً عن قيمة أو مبدأ.
إذن الفارق بين مجتمع وآخر- -هو في مضمون تلك القيم وترتيبها في منظومته الثقافية. فحتى أكثر المجتمعات خشية من مفهوم الجهاد، أصبحت تلجأ إليه مؤخراً (وهي طالما لجأت إليه في الماضي كما حدث في الحروب الصليبية مثلاً) لكن لقيم وأسباب أخرى غير تلك التي يتحرك من أجلها الجهاديون المسلمون. سواء كانت تلك الأسباب مبدأية، كحماية المدنيين مثلاً فهو المحرك الرئيسي حالياً للجهاد الذي تتبناه المجتمعات الغربية. أو أسباب وظيفية أي مصلحية كالسعي وراء الموارد أو الأسواق. لذل نلحظ أن التدخل الدولي في البوسنة أو في الصومال أو في ليبيا أو ربما لاحقاً في سوريا، هو عمل (إنساني) يعكس قيم الحضارة الغربية الراقية. أما ما يطلق عليه في بعض أدبيات التنظيمات الإسلامية «الجهاد في سبيل الله» سواء كان ضد احتلال كما كان الحال في أفغانستان أو العراق، فهذا يوصف بأنه إرهاب أو على الأقل عنف مسلح، بغض النظر عن القيمة أو المبدأ الذي يدافع عنه هؤلاء المجاهدون.
غير موجودة
ويعتقد الدكتور سامح أن فكرة التصارع بين الحضارات نفسها غير موجودة أصلاً، أو بالأحرى عندما يحدث التصارع أو الخلاف فهو ليس بين الحضارات وإنما بين الشعوب والمجتمعات بمعناها الواسع وليس في النطاق الضيق. وعندما يحاول البعض الربط بين صراع الحضارات والاختلافات الدينية، فهو ربط غير سليم؛ لأن الأديان أيضاً ليس فيما بينها اختلاف يصل إلى حد التصارع، على الرغم من وجود تباين فعلاً في أولويات وترتيب القيم التي يركز عليها كل دين، لكنها في النهاية جميعاً قيم ومبادئ ربانية موضوعة لتنظيم حياة البشر والارتقاء بها، لا للتعارك حولها أو فيما بينها. نقطة الخلاف تبدأ فقط عندما يتحول الدين إلى سلوك وعمل قد يصطدم بحقوق اصحاب دين آخر. والحالة الوحيدة التي يتجسد فيها هذا الوضع هي الاستناد إلى تعاليم وشرائع اليهودية (حسب مزاعم اليهود) في اغتصاب أرض ومقدسات إسلامية في فلسطين.
استغلال الدين
ويخلص سامح الى أن المشكلة ليست في الدين ولا في الحضارة ولا القيم الإنسانية، المشكلة في تحويل الدين أو الحضارة أو القيم الإنسانية إلى مطية لتوجهات وأهداف بشرية صرف. بالتالي فالصراع ليس بين حضارات وإنما بين بشر أو مجتمعات بالمعنى الواسع للمجتمع ,لذلك - يضيف- نلحظ التقارب في الموقف بين معظم يهود العالم وبعض مسيحييه في العداء نحو الإسلام والمسلمين، فليس كل اليهود ولا كل المسيحيين معادين للإسلام، إذن ما يجمعهم ليس الدين بحد ذاته ولا حتى الحضارة أو الثقافة الغربية بدليل أن الثقافة الأمريكية مختلفة عن تلك الأوروبية وكلاهما بعيدة عن ثقافة وقيم اليهود. لكن بعض هؤلاء وأولئك يتفقون في مواقف ويختلفون في أخرى.
ويتابع الدكتور راشد القول : ربما يتضح الأمر أكثر بالنظر إلى الصراع أو الاختلاف داخل الدين الواحد.. فربما كانت المذاهب المسيحية قادرة على التغاضي عن تبايناتها العقيدية، ولا نعلم كثيراً عن التباينات داخل الديانة اليهودية، لكن داخل الإسلام التباين واضح ويظهر كثيراً بين السنة والشيعة على سبيل المثال، رغم أن أصل الدين واحد. إذن في المجمل الصراع ليس بين الحضارات، ولكن ينشب الصراع حين تختلف أولويات القيم الإنسانية بين المجتمعات أو الطوائف البشرية، ويكون لدى كل منها استعداد لقطع شوط بعيد دفاعاً عن قيمه بترتيبها ومكانتها لديه. رغم أنها قد توجد أيضاً لدى الآخر (الذي قد ينتمي لنفس الدين أو نفس الحضارة) لكن في مكانة متأخرة لصالح قيمة أو مبدأ آخر.
جوهر المشكلة
ما سبق يفسر لنا اسباب فشل الحوارات المتكررة بين الحضارات أو بين المذاهب – الكلام لسامح- فالمشكلة ليست في الحضارات ولا الأديان.. لذلك تجتمع وينفض الرموز والمفكرون كثيرا دون التوصل إلى شيء حقيقي، لأنهم لا يجدون فعلياً ما يختلفون حوله. ويخرجون بشعارات وخطوط عريضة إيجابية وتصالحية، وهي حقيقية، لكنها غير مجدية لأنها تتعامل بعيداً عن جوهر المشكلة الحقيقية. والدليل على ذلك، أن الاتهام القديم للمسلمين والعرب برفض الآخر وإقصائه لم يعد قائماً ولا محل له حالياً، بعد موجة العولمة وامتداد كل ما هو غربي إلى داخل مجتمعاتنا. فقد ثبت أن العرب والمسلمين لديهم قدرة عالية على استيعاب الآخر وتقبله كما هو. وما يحدث منذ ما يقرب من عقدين أن الآخر هو الذي يستعدي العرب والمسلمين ويمارس بحقهم انتهاكات إنسانية قبل أن تكون سياسية.
سؤال وجواب
وفى رأى الدكتورة نادية مصطفى محمود استاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ومؤسس مركز الحضارة للدراسات السياسية بالقاهرة فان أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 أضافت زخمًا للاهتمام بالموضوع. وأن ما أعقبها ساهم في تفجير الموضوع.
: هل الصراع الحضاري هو الذي يحكم العالم؟ وما هو مصدره؟ وما السبيل لمواجهته؟ وهل يقدر حوار الحضارات على إدارة هذه المرحلة؟
تجيب الدكتورة نادية: بالرغم من تزايد الاعتراف بوضوح المفردات الثقافية والحضارية في الخطابات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية -سواء الصدامية منها أو الحوارية- فلقد ظل هناك اتجاه يرفض التفسير الثقافي للعالم على اعتبار أنه لن يقود إلى حل المشاكل؛ نظرًا لصعوبة تنازل الثقافات عن ثوابتها، ومن ثَم لا سبيل إلا إلى الحوار بعد توافر شروطه، وفي المقابل اعترف اتجاه آخر أن المرحلة الراهنة من السياسة الأمريكية تكشف بوضوح عن صراع حضاري تجاه الإسلام والمسلمين، يصبح معه الحديث عن الحوار من قبيل الاستسلام؛ لأن الحوار الذي سيدور سيكون بشروط الغرب، ووفق مدركاته، ونحو غاياته ألا وهو «الإسلام المُعدّل»، ولأن السياسة الأمريكية توظف الأبعاد الثقافية لخدمة أغراض سياسية بالدرجة الأولى في حين رأى اتجاه ثالث أن الحوار أو الصراع الفكري ليس إلا أداة أو نوعا من التكتيك لإدارة مرحلة الأزمة التي تحتدم فيها الصراعات حول المصالح، وارتبط بهذا الانقسام انقسام آخر جدّد ما سبق وثار حول أطروحات هانتنجتون، ألا وهو الانقسام حول إمكانيات الحوار في مقابل الضغوط نحو الصراع في العلاقات بين الولايات المتحدة وعالم الإسلام والمسلمين.
ولكن الحوار في ماذا؟ أو الصراع في ماذا؟ وكيف؟ لاشك أن هناك العديد من القضايا المرتبطة بذلك فى مقدمتها تأتي قضايا العنف و حقوق الإنسان بين الخصوصية والعالمية. ولكن ظلت العلاقة بين الحضارات تفتقد الاهتمام بأجندة حوار الحضارات المتنازع على مصداقيته وجدواه.
رؤية فكرية إسلامية
وتدعو الدكتورة نادية الى بلورة رؤية فكرية إسلامية شاملة لاتقتصر على السياسات الحكومية فقط وانما تقوم على الاعتراف بمسئولية الإنسان الفرد فإذا كان واقع الأمة الراهن لا يفرز استجابات رسمية وحكومية فاعلة للتحديات التي تواجهها الأمة، فإن هناك مصادر أخرى لإمكانيات الحركة المستجيبة؛ ابتداء من الفرد، وامتدادًا إلى الأسرة، إلى قوى المجتمع المدني في تكافلها وتداخلها فيما بينها، وعبر حدودها القومية نحو تضامن عالمي مع القوى الغربية والشرقية، المناصرة لحقوق الإنسان، والمضادة للعولمة موضحة أن مشاركة المسلمين -أفرادًا وهيئات ومؤسسات وحركات اجتماعية ومدنية- في هذه التفاعلات من أجل العدالة والحرية والمساواة، لهو من أهم سبل تفعيل الاستجابة للتحديات العالمية التي تواجه عالم الإسلام والمسلمين في القرن الواحد والعشرين، حيث تبدو النظم والحكومات غير قادرة وعاجزة عن الاستجابة بفعالية.
شروط ومضامين
وتؤكد الدكتورة نادية مصطفى الى ضرورة تعزيز التعاون حول «حوار ثقافي» بشروط ومضامين تجعله سبيلا للتعارف الحضاري الحقيقي، ومن ثَم تنأى به أن يكون سبيلا لتمكين ثقافي لطرف على طرف آخر أو أن يكون قناة للاعتذار والدفاع والتبرير في مواجهة «الاتهامات» المتعددة للإسلام والمسلمين سواء في أوروبا ذاتها أو خارجها على أن يقدم رموز الفكر الإسلامي المعاصر أطروحات متكاملة حول «البعد الثقافي» فمن المقاربة بين القيم الإسلامية والقيم الغربية إلى تقديم الرؤية عن الدلالات الثقافية المعاصرة في إطارها السياسي الراهن، إلى تحليل العلاقة بين العولمة والهوية ودور الأديان، إلى البحث في الأبعاد الثقافية السلوكية للمسلمين «الأقليات» في ظل ضغوطات العولمة وما بعد الحداثة، إلى الحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام كضرورات وليس مجرد حقوق. إلى التمييز بين العالمية والعولمة، ومن ثَم العلاقة بين الإسلام والعولمة.
روجيه جارودي في «حوار الحضارات» يدين «الشرّ الأبيض
في كتابه «حوار الحضارات» يعرض الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي الجرائم التي يرتكبها الغرب ضد البشرية وعدم سعيهم الي خلق نوع من الحوار والتعايش بين الشعوب الآسيوية والأفريقية والغربية، كما يفضح الإنسان الأبيض واتهامه بعرقلة ثقافة الحوار بين الإسلام والغرب وكيف إن حضارتهم لا تساوي شيئا بالنسبة للحضارات العريقة منذ آلاف السنين.
كتاب «حوار الحضارات» والذي يعد من أشهر كتب الفلسفة في العالم يناهض بقوة في الغرب بسبب الهجوم الشديد من قبل الفيلسوف الفرنسي على الدول الغربية حيث وضح كيف تمت عرقلة مسيرة الحوار بين الحضارات وبين الأمثلة على ذلك بسبب هلاك الملايين من الافارقة بسبب الجياع وعدم مساعدة الدول الغربية لهم وإن ساعدوهم فيكون ذلك من أجل مصلحة.
جرائم الغرب
ويدين الكاتب المجازر التي ارتكبها الرجل الأبيض ضد الإنسانية ويزيح اللثام عن أوهام الثقافة الأوروبية ويطعن في «صلف الكبرياء» و «جنون العظمة» التي يصف بها الرجل الغربي انطلاقا مما يسميه “الفرص المفقودة” في التاريخ والتي تجسدت في الإبادة الجماعية لهنود أمريكا ونخاسة الزنوج التي أفنت مائة مليون من الإفريقيين والهاوية الإنسانية بين الشمال والجنوب وجهل الثقافات والحضارات اللا غربية .
الحوار بين الشعوب
ويهدف هذا الكتاب إلى تأسيس نظام عالمي جديد ينطلق من حوار مع حضارات آسيا والإسلام وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويشير الكاتب إلى أن الحوار يطعن في فكرة «المركزية الثقافية» القائلة بتفوق ثقافة الرجل الأبيض والمكرسة لمنطق التمايز بين الإنسان المتمدن او المتحضر والإنسان المتوحش أو البربري.
هذا الحوار الذي يدعو إليه الكاتب يفتح دروبا جديدة أمام الإنسان والتاريخ، إنه حوار يدعو إلى ضرورة التجرد من الحكم العرقي المسبق القائل بتميز الإنسان الأبيض أو بلغة الكاتب نفسه، هذا الحوار يهدف إلى تهديم ما سماه «الشر الأبيض» دلالة على الدور المشؤوم الذي نهض به الرجل الأبيض عبر التاريخ.
ويؤكد الكاتب علي ضرورة مراجعة الافكار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في الغرب وإعادة ترتيب كل شيء حسب قواعد جديدة تأخذ بعين الاعتبار جميع القارات وجميع الثقافات والحضارات.
ويري الكاتب أن الغرب لابد من أن يتخلص من الهيمنة وأن ينظر إلى الثقافة ولاسيما انتشار الثقافات انتشارا واسعا وأن يعمل من أجل التعايش والاستقرار، بالإضافة إلى القدرة على التكيف مع الأفكار المخالفة والتعامل مع جميع الآراء الثقافية والدينية والسياسية، حتي يتم التواصل والتعارف والتفاعل والاحتكاك الحضاري لأن الحوار الحضاري وسيلة أساسية لتجنب الصراعات.
وبين الكاتب أنه هناك أنواع من مجالات الحوار الحضاري منها المجال الديني ويتجلى في الحوار بين الإسلام وباقي الديانات، والمجال السياسي وهو الحوار بين مختلف التيارات السياسية، والمجال الاقتصادي الذي يمثل التعاون الاقتصادي بين الدول في مختلف الأنشطة الاقتصادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.