استغرق التحول من نشاط الصيد إلى المجتمع الزراعي نحو 150 ألف عام. وعلى مدار القرون العشرة الماضية تطور الاقتصاد بوتيرة بطيئة بالتوازي مع النمو السكاني. ولكن التحول الحقيقي جاء مع الثورة الصناعية قبل مائتي عام. وبفضل وسائل النقل السريعة، وتوسيع التبادل بالعملات الأجنبية، والسياسات التجارية والاتصالات الحديثة، تحولت الاقتصادات من المحلية إلى العالمية. ولكننا لا نزال في الطور الأخير الذي حدث في السنوات الخمسين الماضية للاقتصاد القائم على الخدمات. والآن نقف على أعتاب ثورة اقتصادية رابعة ستعيد تشكيل المجتمع الإنساني في ظل التقدم السريع في الروبوتات والذكاء الاصطناعي. فمن المتوقع أن تؤدي ثورة الذكاء الاصطناعي إلى تحولات جذرية داخل المجتمع الإنساني خلال عقدين من الزمان. وفي ظل هذه التطورات السريعة تطفو إلى السطح سيناريوهات تشاؤمية بأن الذكاء الاصطناعي سيكون بمثابة المشكلة لملايين العمال، بعدما تحل الروبوتات محل الإنسان في العديد من الخدمات والمواقع الصناعية. ولكن تقرير مجلة «فوربس» الأمريكية يؤكد أن الوظائف لن تختفي برمتها وإنها ستشهد تحولات جذرية. وفي هذا الصدد يقول التقرير إن دراسة الماضي ستكون مفيدة ومطمئنة في نفس الوقت، فعلى سبيل المثال قبل ما يزيد قليلا على قرنين من الزمان كان نحو 90٪ من الأمريكيين يعيشون ويعملون في المزارع. ولكن لم يتبق منهم اليوم سوى 2%، ومع ذلك لم تعانِ النسبة الباقية - 88 في المائة - من البطالة؛ لأنهم ببساطة انضموا إلى وظائف جديدة. وبالتالي فكما كانت التحولات وراء تشريد العمال في الماضي، استحدثت في نفس الوقت مجموعة جديدة من الوظائف لم تكن موجودة من قبل. فقد تحول الصيادون إلى مزارعين. وفي وقت لاحق تحول المزارعون إلى عمال مصانع. وبالتالي فمن الصعب التنبؤ بالضبط حال مجتمع العمل في المستقبل، ولكن دروس الماضي تشي بأن العمالة البشرية ستظل علي قيد الحياة، ولكن سيظل لزاما عليها التعامل مع تحديات ثورة الذكاء الاصطناعي. ويأتي فى مقدمتها مدى قدرة العمال على تدريب وتطوير أنفسهم للتكيف مع التكنولوجيا الحديثة. فبخلاف التحولات الاقتصادية السابقة التي استغرقت عدة أجيال، تسير التطورات الجارية بوتيرة سريعة للغاية يصعب ملاحقتها، وهو الأمر الذي يستدعي التفكير المتعمق والتخطيط والعمل الجاد لتجنب حدوث اضطرابات كارثية. ويقترح التقرير إستراتيجية رباعية الأبعاد لمواجهة هذه التحديات.. * تحديد المهارات قبل الشروع في تدريب القوى العاملة ورفع مهاراتها، يتعين أولا التنبؤ بالموجة الجديدة من الوظائف وتحديد المهارات الملائمة لها. وبعدما يتحقق ذلك يمكن وقتها تبني مناهج تدريبية متخصصة وتعميمها. ويجب أن تتسم هذه المهمة بالمرونة والاستمرارية في نفس الوقت، حيث إن المهارات المطلوبة ستتغير على الأرجح كل خمس إلى عشر سنوات. * الاحتفاظ بالموظفين الحاليين إستراتيجية القوى العاملة الأكثر كفاءة هي الاحتفاظ بالموظفين وإعادة تدريبهم، بدلا من تكبد عناء عمليات تسريحهم وتوظيف عمالة جديدة. ومن أهم مزايا الموظفين الحاليين أنهم على دراية بثقافة الشركات، إلى جانب عملائها وديناميات العمل التي تطورت على مدار سنوات لتحسين الأداء. وبالتالي سيكون الخيار الأقل كلفة هو إعادة تدريبهم. * تطوير ونشر التدريب في الماضي ظل معظم العمال طوال حياتهم في مهنة واحدة، ولكن في ظل تسارع وتيرة التشغيل الآلى، سيحتاج العمال إلى دفعات متلاحقة من المهارات الجديدة. ويمكن أن تساعد تكنولوجيا التحليلات المستقبلية في تحديد ثلاثة عوامل مهمة، الموظفون الأكثر احتمالا لترك العمل، والأكثر استفادة من برامج إعادة التأهيل، والأثر المحتمل الذي ستجلبه تلك البرامج على أداء القوى العاملة بصفة عامة. وبحسب التقرير، يستغرق تطوير ونشر التدريب سنوات. وبالتالي فبدلا من إنفاق الكثير من الأموال على برامج التدريب، ينبغي التحقق من فرص النجاح والفشل لكل منها. ومن المفيد في هذا الصدد قياس المدخلات، وتتبع النتائج، وتبني سياسات متنوعة والمتابعة الدقيقة لمن يطبقها من أجل انتقاء وتكريس أفضلها. * التعليم المبتكر أطفال الغد بحاجة إلى معرفة كيفية إدارة كافة الآلات والأنظمة المتقدمة المحيطة بهم وكيفية توظيف الرؤى المستقبلية التي توفرها، والمناهج التعليمية الحالية ليست مصممة للتعامل مع هذه الاحتياجات. ويوصى التقرير بأن تنخرط دوائر الأعمال من أجل مساعدة المدارس المغذية لها من خلال صياغة المناهج الدراسية، وتوفير المساعدات التعليمية، وتمويل برامج تطوير المعلمين، ورعاية النابغين من الطلاب.