مساء الاثنين ، دشن صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، مبادرة «نقوش الشرقية»، إحدى مبادرات مجلس المسؤولية الاجتماعية في المنطقة، وتهدف إلى إحياء التراث الحضاري والتاريخي والاقتصادي في المنطقة، وتعزيز هذا الحضور بمشروعات تمكين، تجعل المعرفة جزءاً من الإنتاج والهوية في المنطقة، خاصة أن المنطقة مثلها مثل مناطق المملكة الأخرى، غنية في قيمها التراثية والحضارية، فيما يختص بالمكان وتطوراته التاريخية. فالمنطقة الشرقية كانت موطناً لحضارات لا تزال شواهدها قائمة حتى الآن، لكن تحتاج إلى رصد فكري وفني لإعادة ترسيخها في الأذهان، وبعثها الحياة في ذواكرها الخوالد، وهذا يأخذنا،لا محالة، إلى رحلة في مزيج المكان والتاريخ، أفخر الهويات، وسطوعها، ونفسها وروحها. قال ذو الرمة، شادي الدهناء الطروب: دعاهنّ من ثاج، فأزمعن ورده، أو الأصهبيّات العيون السوافح وقال المبدع الآخر، تميم بن أبي بن مقبل: يا جارتيّ، على ثاج سبيلكما سيرا شديدا، ألمّا تعلما خبري كانت ثاج (85 كم غرب الجبيل) مدينة الشمس ولؤلؤة ساحل العروض، وفخر الجرهاء الخالدة، ذات الصيت الطنان في الآفاق، حيث وجد «مومياء» طفلة موشحة بالجواهر والذهب، والأحجار الكريمة، ويمكنني أن أسميها «عذراء ثاج». كانت الجرهاء أو الجرعاء (العقير على الأرجح) وثاجها إيقونة المكان وعطر التاريخ، وثراؤها حكاية الحكايا، إذ كانت هي «دبي» اليوم ما قبل التاريخ، مركزاً تجارياً عالمياً يربط بين الشمال (فلسطين والشام والنبط ومصر) والجنوب الهند، وبين الشرق (بابل وبلاد فارس) والغرب (اليمن والحجاز وأفريقيا). لمعت ثاج كحلم وضاء في عيني انطيخوس الثالث السلوقي، الملك الباسل الذي رأى أن يعيد سيرة الكسندر أحد أقوى أسلافه، قبل ان تهزمه، مثل السكندر، الأقدار، إذ همس أحدهم في أذن الملك أن الجرهاء، ومدينة ثاج بالذات، ترفل بالثراء والرغد، وأن أهلها يكنزون الذهب والفضة واللؤلؤ وكل حجر كريم، وأنهم اتخذوا من الذهب آنية وكؤوسًا ومشربيات، وزينوا سقوف بيوتهم وأبواب غرفهم بالذهب وبالأحجار النفيسة الغالية، (طبقاً لكتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام). فقاد انطيخوس جيوشه إلى الجنوب ليبسط نفوذه على الرافدين والشام، لكن الجرهاء، أوفدت، عام 205ق.م، إلى الملك لتقدم جزيتها، ورجت أن يعفيها من الضراء والبأساء وحين البأس، وألا يحرمها من أغلى هدايا الرب: نعمتي الحرية والسلام. وقيل: إن رمسيس الثاني - الفرعون الفاتح المصري الشهير- في أوج انتصاراته في الشام وشمال جزيرة العرب، فكر في مال الجرهاء وكنوزها، لكن يبدو أنه وجد أن النوبة أيسر منالاً. من المؤسف لو سألت طالباً في المنطقة الشرقية عن الجرهاء وثاج، لأعتقد أنهما هنديتان أو كلدانيتان (أو هما لا شيء البتة) وسيذهل من أن إحداهما في سيف الرمال، والأخرى «دبي» في نهاية شارع سيف الساحل، وهنا تصبح المسؤولية الاجتماعية الفكرية حيوية لوهج المكان تاريخاً وجغرافيا. * وتر هذا المكان، ينسج روحه من ضوء القمر وموج البحر.. بين الرمل، وامتداد ماء المحيط.. إذ غيلان وابن مقبل يكتبان بأنفاسهما واحات العروض البهية وشموس الدهناء، وحداء القوافل، أناشيد الرعاة في رياض الخزامى.