إذا كنت تعتقد أن توفير الهواء والطعام والماء كافيا لاستيفاء شروط بقاء الإنسان على الكوكب الأحمر، فعليك أن تتوقف عبر هذه السطور لترى الضريبة الصحية التقديرية لهذا الحلم البشري الذي شغل الأبحاث وانشغلت به الأفلام. فقبل التفكير في كوكب المريخ في حد ذاته كمقصد حصري لهذا الحلم البشري بتعمير الفضاء، علينا أن نتوقف في عجالة مع تعداد خاطف لأثر السفر في الفضاء على جسم الإنسان، وهي التأثيرات التي ستنطبق بالتأكيد على المتجهين للكوكب الأحمر. فالعيش لوقت طويل في ظروف جاذبية قليلة للغاية يمكن أن يضعف التوازن، بل حتى يؤثر على البصر، وأثبتت الدراسات أن تَعَزُّز مشاعر العزلة حول الإنسان عامل خطير من عوامل الإصابة بالزهايمر والسمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وتدهور الجهاز العصبي والسرطان. كما أن ضعف الجاذبية المتواصل من شأنه أن يؤدي إلى انفصال فقرات الظهر بصفة بطيئة، ويمكن أن يزداد طول رائد الفضاء بواقع خمس سنتيمترات، وينتج عن هذا الطول شعور بألم في الظهر، خاصة من ناحية الجذع العلوي. وبينت الدراسات أن الحرمان من النوم يؤدي إلى ضعف اللمفاويات التائية، بحيث يكون رواد الفضاء عرضة للالتهابات الناجمة عن الجراثيم والميكروبات. وفي ظل عدم الحاجة إلى التحرك كثيرا في المكان، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ضعف عضلات الساق، ما يؤثر على التوازن ويزيد مخاطر التهاب الأوتار. ويعد العيش في ظل انعدام الجاذبية أرضية ممهدة للإصابة بهشاشة العظام، بسبب فقدان الجسم للكالسيوم والفوسفور واستنزاف قوة العظام، فرحلة واحدة إلى المريخ تعادل ما يفقده إنسان من قوة عظامه طوال حياته. كما يعد التعرض الطويل للإشعاعات الآيونية مضرا بجهاز المناعة المركزي، حيث يؤدي هذا الوضع إلى الإصابة بإعتام عدسة العين والإضرار بالماء الأبيض فيها. هذه المخاطر العامة للرحلات الفضائية، والتي تنطبق حتما على المريخ ليست كل الضريبة الصحية التي على الإنسان دفع فاتورتها لتحصيل حلمه في العيش على الكوكب الأحمر المدجج بالتحديات الصحية المستلهمة من طبيعته وبيئته القاسية. فمعدل درجة الحرارة في هذا الكوكب تتراوح من 20 إلى 153 درجة مئوية، بينما هي على سطح الأرض تمتد من 58 إلى 89.2 درجة مئوية. أما الضغط الجوي في المريخ فيصل إلى 6 ميليبارات، بينما على الأرض يقدر ب1.013 ميليبار عند سطح البحر. وبالنسبة إلى السرعة القصوى للريح فعلى الكوكب الأحمر تصل إلى 250 ميلا في الساعة، بينما على سطح الأرض 199 ميلا في الساعة. ومن أهم التحديات على الكوكب الأحمر مكونات الغلاف الجوي، فعلى المريخ يحتل ثاني أكسيد الكربون 96% من مكونات الغلاف الجوي لهذا الكوكب، بالإضافة إلى 1.9% أرغون، و1.6% نيتروجين، بينما على كوكب الأرض 78% نيتروجين، 21% أوكسجين و0.9% أرغون و0.04% ثاني أوكسيد الكربون.