هناك من يريد أن يبقى سعر النفط فوق المائة دولار، وشخصياً أرغب أن يصعد لفوق الألف، ولكن ليس بسبب ترتيبات احتكارية بل وفق آلية السوق، أي كمحصلة لتدافع العرض والطلب، وليس لتدافع الحكومات. وبعد انتظار دام عقوداً رأينا سوق النفط وقد رجعت إلى أحضان الطبيعة، طبيعة أي سوق حُرّ الحركة والتصرف. ومنا مَن لا يريد أن يُصَدق إلا ما يشبه "حزايا" شهرزاد، فما أن قال توماس فريدمان ومن سار على دربه من الكُتاب بأن ثمةَ مؤامرة تُحاك للإيقاع بأسعار النفط، حتى فتحنا لها العقول والقلوب والخياشيم تصديقاً. كتبتُ هنا من قبل، وقالها كثيرون قبلي، منهم الشيخ أحمد زكي يماني، منذ سنوات، نعم نريد أعلى الأسعار لنفطنا لكن وفقاً لآلية العرض والطلب، وها نحن وصلنا، فشهدنا في اجتماع أوبك الأخير كيف أن جميع خيارات أوبك كانت "صفرية"، بمعنى أن أوبك لم يك بمقدورها فعل أي شيء للتأثير على أسعار النفط صعوداً، ويلاحظ المتتبع أن الدول المنتجة المؤثرة بينت حتى قبل بدء الاجتماع في فينا أنها لن تخفض الإنتاج ولا ببرميل واحد!. وما دمنا قد وصلنا لهذا الوضع، وهو أن جميع خيارات أوبك غدت "صفرية"، فلعل من المناسب أن تَعقِد أوبك اجتماعاً للنظر في نظامها الأساسي لتعديله لتصبح منظمة دولية تعني بالطاقة إجمالاً وليس البترول فقط، وبذلك ستتوسع عضوية أوبك لتشمل منتجي أنواع الطاقة ما عدا النووية، وبذلك تضم النفط والغاز والطاقة البديلة. هذا إن كانت الدول الأعضاء مصرة على الإبقاء على المنظمة، أما الخيار الأكثر واقعية فهو حَلّ أوبك، أو إغلاقها مؤقتاً، فقد فقدت مخالبها "الاحتكارية" القائمة على ضبط سوق النفط من خلال إدارة العَرض، والدافع لهذه الدعوة أن منظمة أوبك لم تَعد قادرة على القيام بمهمتها فقد فقدت فاعليتها، فوجدنا أن ما يجمع الأعضاء داخل قاعة الاجتماعات خيارات "صفرية" (لا تودي ولا تجيب). أما خطوة إعادة اختراع أوبك فتتطلب جراءة قد تدفع الدول الأعضاء عملياً لتجنبها بالإبقاء على أوبك كالكثير من المنظمات الديناصورية، موجودة لكن دون تأثير يُذكر. والدعوة لحَلّ أوبك ليست دعوة نَزِقة، كما قد يظن المنتسبون لتيار "خله على طمام المرحوم"، بل ناتجة عن أن معركة أوبك ووكالة الطاقة الدولية (IEA) لطالما انتهت جولاتها –مراراً وتكراراً - بتثبيت أكتاف أوبك، أما الجولة المعاشة فقد انتهت – في تقديري - بالضربة القاضية، وانتهى العَدّ مع إعلان أوبك أنها لن تحرك ساكناً. وللتذكير، فوكالة الطاقة الدولية منظمة حكومية دولية مستقلة، مقرها باريس، أنشئت في إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في عام 1974 في أعقاب أزمة النفط عام 1973، وقد استمرت الحرب بين المنظمتين أربعين سنة، سعت خلالها أوبك لإدارة العرض بمنهجية تقوم على ضبط الكميات في المدى القصير، فكانت السمة الغالبة ردة فعل لتجفيف فوائض النفط الخام في السوق العالمية، في حين كانت الوكالة تعمل وفق استراتيجية من شقين؛ إدارة الطلب من خلال الترشيد ورفع استخدام الطاقة عبر الابداع والاختراع والريادة التقنية، والبحث عن بدائل في الريح والشمس فكانت الوكالة مؤثرة لدرجة أنها أعادت هيكلة مشهد الطاقة العالمي برمته خلال أربعين عاماً، وانتهى الأمر بأوبك لما نشاهده الآن.