يقول أبو العلاء: هي العنقاء تكبر أن تصادا فعاند من أردت له عنادا كلنا نعرف أن العنقاء طائر خرافي نشأ من اسطورة فينيقية ثم شاع تصوره في أمم كثيرة.. ويعتقد قدماء المصريين أنه يعمر 500 سنة ثم يحترق ويبعث من رماده حيا.. وراحت كل أمة تصوره حسب خيالها. سؤالي «هل هي العنقاء» أعني به الحقيقة، فالحقيقة في تصوري هي العنقاء الأخرى التي راحت كل فئة بشرية تتصورها حسب خيالها. يقول الجابري -حسب جميل حمداوي- (الفلاسفة يحصرون الحقيقة في البرهان العقلاني والمتصوفة فكانوا يحصرونها في العرفان الوجداني أما أهل الظاهر فيحصرونها في البيان). حين نأخذ من التعريفات الكثيرة للحقيقة التعريف القائل (الحقيقة هي تطابق ما في الأذهان مع ما في الأعيان) نصل إلى أن الحقيقة عند صاحبها هي تصوره الخاص لمفهوم ما، أو أدلوجية ما، ولا يمكن ان يتطابق تصور مع تصور آخر لفرد آخر، فالتصور لا معيار لصدقه وكذبه أما الواقع فهو الآخر يتلون بتلون تصوره لذا فهم يقولون: «الحقيقة في كل حقل من حقول المعرفة صادقة عند صاحبها حتى يتكشف زيفها عنده». ولكن: هل ينكشف زيف الحقيقة عند صاحبها من تلقاء نفسه، ان ذلك هو العنقاء ورمادها زيف الحقيقة يحتاج الى الارتقاء المعرفي حتى يعرف ويحتاج الى اعتبار الشك هو المصباح الى ذلك الكشف ويحتاج كذلك الى النقد الذاتي وقبل ذلك كله يحتاج الى ان يتجاوز الوعي نفسه باستمرار. ومع كل هذا تبقى الحقيقة فردية.. اما اذا تحولت الى حقيقة جماعية فلا يكون ذلك مطلقا الا عند المقلدين.. واذا اصبحت الحقيقة تقليدية كفت عن الانكشاف. نعود الى تقسيم الجابري لرؤية الحقيقة عند الفئات المختلفة لنسأل: هل الحقائق التي تملأ اذهاننا هي مطابقة لما في الاعيان.. أي مطابقة للواقع؟ كلا.. فالحقائق هذه حقائق «بيانية» أي انها تستند الى النصوص وبديهيا ان تكون النصوص غير الواقع... الحقيقة في اعتقادي هي العنقاء الثانية التي يعتقد كل منا انها وفق تصوره.