«كلماتنا لا تحدد الحقيقة من الداخل ولا تستطيع ان تلغي الاختلاف بين تطابقات معرفتنا والواقع الذي ننشد معرفته». مر على هذه الكلمة خمسة وعشرون قرنا وما زالت محتفظة بقدرتها على استدعاء التفكير وعلى توليد المعنى.. وقد تفرعت عنها وما زالت مقولات كثيرة. أصبح قولا معادا ان اللغة لا تعبر عن الواقع كما هو في وجوده الحسي.. بل تعبر عنه كما هو في تصوراتنا عنه.. وهنا تنطرح مسألة تطابق معرفتنا المستندة الى التصورات الذهنية مع الواقع في وجوده خارج تصوراتنا. الفروق بين التصورات والأفكار وبين الواقع فروق كثيرة.. ولكن اقربها الى الرؤية الواضحة هو ان الواقع يتغير بصورة دائمة.. اما الافكار والتصورات فهي لا تتغير إلا تحت رؤية نقدية مرهفة الفروق بين التصورات والأفكار وبين الواقع فروق كثيرة.. ولكن أقربها الى الرؤية الواضحة هو أن الواقع يتغير بصورة دائمة.. أما الافكار والتصورات فهي لا تتغير إلا تحت رؤية نقدية مرهفة.. يمتلكها بعض الأفراد في المجتمع.. ولا تعم المجتمع كله إلا بمرور زمن يطول ويقصر حسب قابلية الثقافة واستعدادها للارتفاع الى مستوى اعلى بحيث تتغير الرؤية المعرفية لكل شيء.. تتوطد الافكار والتصورات حين تتحول إلى ادلوجيا.. وهنا تنفصل بالضرورة عن حركة الواقع وتصبح خارج التاريخ.. بل تمتد سيطرتها الى الواقع نفسه فتضع في قدميه قيودا وسلاسل ترغمه – اول الظن – على التوقف.. ولكنه كالماء يعرف كيف يتسرب من الاصابع والقبضات الحديد. قف قليلا: ما أقصده بالادلوجيا هي الافكار المكتفية بذاتها والتي تحاول بدوغمائية عمياء ان تلوي عنق الواقع وان تدجنه ليستجيب لركودها.. هذا هو ما أعنيه هنا بالادلوجية وذلك لأني من المؤمنين بأن «الانسان كائن ادلوجي» وبأن أي فرد وأي مجتمع لا يمكن ان يسير الى الامام بدون ادلوجية.. بدون مصباح يضيئ له الطريق.. هذا المصباح هو الافكار التي تحمل هموم الانسان وتطلعاته.. وهذه لابد ان تكون اقرب الى الواقع من حبل الوريد. اعتقد ان التاريخ لم يغير من كلمة أرسطو تلك الواردة في اول هذا المقال.. الا كلمة واحدة هي كلمة (المعرفة) الواردة في قوله (الواقع الذي ننشد معرفته) لقد غير كارل ماركس كلمة (معرفته) الى كلمة (تغييره) وهنا تصبح المسألة أشد تعقيدا من مجرد المعرفة. إننا لا يمكن ان نغير شيئا من دون معرفته معرفة شاملة.. ولذا لابد ان تكون قراءتنا للواقع قراءة أعمق من مجرد المعرفة المحضة «المعرفة من أجل المعرفة» بل لابد أن يكون هدفها التغيير وهذا ما اسميه ب»الادلوجية الجدلية» التي تسأل الواقع ويسألها في حوار مستمر. [email protected]