إذا خامرنا الشك في سائر الحتميات مثل الحتمية التاريخية والحتمية الذاتية وتلك الحتمية الجغرافية.. الخ فإن ذلك الشك على عنفوانه، سيعود منهزما أمام (الحتمية اللغوية) فهي أبعد من أن يصل إليها الشك. لماذا يختلف الناس في طريقة تفكيرهم.. في عمق وسطحية النظر إلى الظواهر الإنسانية والطبيعية وتعليلها.. في زوايا النظر إلى الكون؟ هم يختلفون لعدة أسباب.. أهمها اللغة. ويتضح ذلك من طرح السؤال: هل يمكن وجود أفكار خارج إطار اللغة؟ منذ أن قال محمد بن عبدالجبار النفري: (إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة) والبعض وعلى رأسهم المتصوفة والسرياليون يعتقدون أن الأفكار نشاط ذهني أوسع من اللغة.. ولكن هل يمكن الوصول إلى هذه الأفكار بدون لغة؟ ليس هذا وحسب.. بل هل صاحب هذه الأفكار يتصورها هكذا مجردة من اللغة.. بحيث يصوغها في ذهنه صياغة ميتافيزيقية؟! كلا.. لا يمكن ذلك.. فهناك تلازم مطلق بين الفكر واللغة.. وإذن هل كل ما تحمله اللغة حقائق؟ كلا. فالكثير مما تحمله اللغة افتراضات وظنون يثبت الواقع بطلانها على امتداد الزمان والمكان.. ومن هنا تنبع (حتمية الوهم).