وردت هذه الكلمات من جملة قصيدة للراحل نزار قباني حيث غنتها الراحلة فايزة أحمد بإحساس جميل يتناسب ومعاني الكلمات والقصيدة اجمالاً والتي ذهب الشاعر إلى حيث أنه جعل من أغلى ما يملك وهو دمه وقفاً. وبغض النظر عن الشعر ومعانيه حيث يترك لرواده غير أنني رغبت الحديث عن موضوع الوقف من المنظور الاقتصادي ودوره في الحياة الاقتصادية. الوقف من المعلوم أنه اصل اقتصادي يصرف من نتاجه لأغراض محددة يحددها الواقف والتي دائما يعني فيها إلى أوجه الخير للمجتمع بشكل عام أو حتى للبشرية جمعاء حيث تتدرج من البساطة كالصرف على المساكين وغير الواجدين ونحوهم مثلاً إلى الأكثر تطوراً وتعقيداً في جملته كالصرف على العلوم والبحوث وخلافه. وفي الشريعة الإسلامية يقر الدين الوقف ويحث عليه ويهيب بالقادرين فعله لما لذلك من فضل كبير يرتجى عند «المولى عز وجل». ولقد شهد التاريخ الاسلامي العديد من الأمثلة النموذجية التي تفوق الوصف في هذا المضمار ضاربة بذلك أجمل الصور الإنسانية في التكافل والتضحية بأعز الأموال التي لدى الواقف. والوقف ايضاً هو أسلوب اقتصادي متبع في الغرب والشرق بل إنه تطوَّر اقتصاديّاً بشكل يتفق والتطور الاقتصادي الحديث بمنهجيَّة مهنية راقية. علاوة على ذلك فإن الوقف بأسلوبه الغربي بالذات تنامى كمّاً وكيفاً متبعاً أسلوب التقسيم على مناشط الاقتصاد المختلفة والتخصص فيها ومنعتقاً من ربقة الفردية نحو البناء المؤسساتي مما أكسبه قوة مادية ومعنوية مؤثرة. وفي تجربتنا المحلية المنظورة بلا شك بدأت منذ مطلع الألفية الثانية تقريباً بواكير الأخذ بنفس المنهجية الغربية وذلك محاكاة للتطور والتطوير في مفهوم الوقف اقتصاديّاً. فالكراسي العلمية وشبهها مثلاً صارت شيئاً غير مستغرب في قوائم الجامعات المالية. وهذا توجه رائع في تغيير الاساليب النمطية المعروفة غير انه ما زال أمامنا الكثير من العمل نحو تمكين الوقف كي يجد له موقعاً يستحقه في الخريطة الاقتصادية. إن الأوقاف في جملتها محليّاً ما زالت تتخذ اساليب النمطية التقليدية إلى حد كبير وذلك في كلا الوجهين سواءً في إدارتها وكياناتها أم في مفهوم أوجه صرف ريعها وتطويره. ولذا فمن الطبيعي أن تكون الأوقاف تقريباً في نفس المكانة المؤثرة أو المتأثرة اقتصادياً على وجه الخصوص. وهذا هو ما نعنيه وذلك بالمطالبة بالتطوير لهذه الأموال الموجودة في الاقتصاد من جميع المناحي حيث في ذلك فعالية اكثر ونتاج اكبر وتأثير اقتصادي يخدم رغبات الواقفين فيما يتفق وأهداف أوقافهم.