لم تعد القهوة مجرد ملحق للضيافة كما عرفناها منذ الصغر، تلك الحبات التي تحمص في المنزل وتطحن وتغلى فوق النار، وتضاف لها نكهات الهيل والزعفران، فتخصص لها «دلة» تعبأ بها لتكون خاتمة الضيافة لزوار البيت. اليوم القهوة هي مشروع متكامل يعتاش منه حوالي 26 مليون شخص في 52 دول منتجة بحسب منظمة البن العالمية (ICO)، ناهيك عن العمالة في المقاهي ومصانع أدوات ومستلزمات القهوة. تعد القهوة اليوم صناعة مربحة، فقد بلغ حجم تجارة البن حتى 2008 نحو 40 مليار دولار، في حين وصلت قيمة صادراته حتى 2010 إلى 15.4 مليار دولار من 70 بلدة منتجة بحسب «منظمة البن العالمية»، وتشير المنظمة إلى ارتفاع استهلاك القهوة في العالم العربي أكثر من ثلاثة أضعاف (أكثر من 8 ملايين طن من القهوة أي أكثر من 2.4 بالمائة). ويؤكد الصحفي والباحث الامريكي (Mark Pendergrast) أن القهوة هي ثاني أكثر سلعة يتم تصديرها في العالم بعد النفط، وذلك في مقال حمل نفس العنوان نشرته مجلة التجارة الإنجليزية، ويستمد مارك معلوماته من الرابطة القومية الأمريكية للقهوة والجمعية الامريكية للقهوة، لافتًا إلى أن السلع الأكثر طلبًا عالميًا هي النفط والألمنيوم والفحم والقمح على التوالي، وفي الوقت الحالي تأتي القهوة بعد النفط مباشرة. وعلى الرغم من أن أمريكا أكبر مستورد للبن بحصة 30 بالمائة عالميًا، إلا أن الأكيد أنهم اليوم يغزون العالم بقهوتهم المبتكرة، سواء كانت معلبة أو كانت مكانًا يقصد عبر انتشار المقاهي «الأمريكية» عالميًا، فلا عجب أن ترتفع أرباح سلسلة المقاهي الأمريكية الشهيرة «ستاربكس» بنسبة 22 بالمائة للشهور الثلاثة المنتهية، فبلغت إيراداتها 4.15 مليار دولار. هذه الأرباح لا تفاجئ مرتادي ستاربكس، فهي تبيع قدح القهوة الصغير بسعر دينار ونصف (15 ريالا) قابل للزيادة مع الإضافات التي تريدها، رافعة لسعره خلال السنوات الخمس الماضية، فلا أسف إن كانت أمريكا تستورد الخام لتصدره صناعة مربحة. يذكر التاريخ أن حبات البن الخضراء عرفها الأفارقة الذين كانوا يتناولونها لتمدهم باليقظة والقوة لممارسة الأعمال الشاقة بالذات العبيد، ولكن أول من صنع القهوة بنكهتها المرة الحالية هو رجل يمني يدعى أبو بكر العيدروسي، وإن اختلفنا في الرجل إلا أن (ICO) تؤكد أن منشأ صناعة القهوة هو عربي خالص، وفي الويكيبيديا تأكيد أن اليمن من أوائل الدول التي زرعت البن وصدرته إلى العالم، وأن «أهم وأفخر أنواع القهوة هي الموكا وهي تحريف من (قهوة المخاء) نسبة إلى الميناء اليمني (المخا)»، وما لبثت أن وصلت للأتراك حتى صنعوا لهم مشروبهم الخاص بهم. ورغم ذلك لم ينجح الأفارقة ولا العرب ولا الأتراك ولا حتى البرازيل المصدر الأول في إقامة صناعة للقهوة كما نجح الأمريكان وبقى لنا التاريخ و «الاستهلاك» كالعادة.هناء مكي