من الطبيعي أن تسعى المنشآت الاقتصادية أيّاً كان نشاطها إلى توثيق العلاقة مع عملائها وترسيخ ولائهم نحو منتجاتها سواء أكانت بضاعة أم خدمة، وذلك في اطار الخطط التسويقية، حيث يرصد لأنشطة التسويق المختلفة موازنات بمبالغ كبيرة وتعتبر ضمن مصاريف المنشأة وتكاليف الانتاج على وجه العموم. ومن هذا المنطلق رأت بعض النظريات في تكاليف التسويق خصوصاً تكاليف الترويج والدعاية نوعاً من الهدر الاقتصادي واختلف في ذلك فيما بين مجتمع باحثي ومختصِّي هذه المجالات. وكمثيلاتها في الاقتصادات المختلفة تحاكي منشآتنا الاقتصادية الاساليب الحديثة في الإدارة وتأخذ بطرقها الجديدة رغبة في زيادة الفعالية والكفاءة والإنتاجية والذي محصلته النهائية تنامي الربحية ونمو تلك المنشأة. ولذا فهي تقوم بنفس الأنشطة المماثلة والتي عادة تمارس في الاقتصادات المتقدمة. وهذا بلا شك امر مندوب اليه، غير أن هناك عدم لياقة في التطبيق لدينا نظراً لوجود بعض الاختلافات أو الفروقات والتي قد تكون جوهرية حين الاخذ بهذه الأساليب بقالبها الأصلي من بلادها وتطبيقها هنا دون أن يعتريها أي تغيير في المضمون، وذلك لعدد من الاسباب، من ابرزها تدني مستويات المسؤولية الاجتماعية في الاصل لدينا مقارنة بتلك الدول والاقتصادات المتقدمة. اضافه إلى تدني مستويات الثقافة الاقتصادية مجتمعيّاً ومثلها مستويات جوهرية أخرى كالمسؤولية البيئية وغيرها. وهذا يقودنا إلى القول بأن على الكيانات الاقتصادية المحلية أن تعي الفروقات في محيطها الذي تعيش وتعمل وتنمو فيه لتواكب مسيرته بما يناسب هذا المحيط ويلائم خصائصه. فالمسؤولية الاجتماعية، وكعنوان جامع لكسب ولاء العملاء في أوساط القطاع الخاص المحلي، ما زالت دون المستويات المعقولة مقارنة بالمعدلات العالمية، وهذا ما ذهبت إليه العديد من الكتابات والمناشط الاقتصادية المختلفة وغيرهما والمنادية جميعاً برفع سقف المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص سواء شركات مساهمة أم عائلية أم بنوك أم غيرها ممن يشكلون النسيج الأغلب في القطاع غير الحكومي. وما أثار شجون افكاري حول هذا الموضوع واعادة طرحه كغيري مرة أخرى ومن باب التدليل على تدني المسؤولية الاجتماعية ما تقوم به بعض البنوك أو المؤسسات الكبيرة في المناسبات الدينية مثل رمضان أو في الأعياد. ففي رمضان تدفع البنوك مثلاً بعلب مزخرفة ومنمقة من التمور أو بعض الأشياء المتعلقة في مفهومها بالعبادات وما إلى ذلك لتهديها لعملائها الكبار والذين ليسوا بحاجة لمثل هذه الهدايا والتي في الغالب لا تستهلك مثلما يراد لها في حين أن كلفتها تفوق أفضل ما يماثلها بسبب التغليف والتعليب والرونقة لتفخيمها. اضافة إلى أن متلقيها ليس بحاجة البتة إلى أشياء مثل ذلك حتى وإن كان الأمر كهدية وتعبير صادق -إن شاء الله- لهذا العميل. فلو استغلت هذه التكاليف في مشاركة الطبقات الدنيا بالتخفيف عنهم مع قدوم الشهر وبشكل نوعي فعلاً يغير من حياتهم المعيشية لكان أجدى وأثمن في نظر الجميع بما فيهم العملاء الكبار. وهكذا أيضاً في هدايا الحلويات في الأعياد وغير ذلك. إن المجتمع ليس بالضرورة يمكن أن يكون ولاؤه ومعاملته للمنشأة بسبب أشياء مباشرة لصالح طبقة أو مجموعة خصوصاً أنها لا تعني ذاك القدر الكبير في نظرهم بل سيقيم وزناً أكثر حين يرى منشأته التي يقدرها ويتعامل معها ويرتبط في أعماله بها تدور في فلك اقرب نحو القيام بواجباتها والاضطلاع بمسؤولياتها الاجتماعية.