السعودية للكهرباء تعلن عن تفاصيل استثماراتها ومشاريعها لحج 1445 ه    بلجيكي مخضرم يحمي عرين القادسية    «الداخلية» تصدر قرارات إدارية بحق 15 مخالفاً لأنظمة وتعليمات الحج    سفير المملكة في الأردن يودع 1000 حاج وحاجة فلسطيني    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة منيرة بنت محمد بن تركي    وصول ذوي "التوائم الذين تم فصلهم في المملكة" إلى مكة المكرمة    مقتل نائب رئيس ملاوي إثر تحطم طائرة    توفير البيئة الآمنة للكشافة في معسكرات الخدمة العامة    تعزيز الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة بالمدينة المنورة    النصر يُجهز عرضًا ضخمًا للظفر بخدمات روديغير    سمو ولي العهد الامير محمد بنسلمان يستقبل سمو ولي عهد دولة الكويت لدى وصوله جدة    فضائل العشر من ذي الحجة    الأردن ترحب بقرار مجلس الأمن الدولي اعتماد الاقتراح الجديد لوقف إطلاق النار بقطاع غزة    المظالم ومدن يوقعان اتفاقية للربط الرقمي    العاهل الأردني: شبح المجاعة يهدد غزة.. السيسي يدعو لدعم «الأونروا»    موعد مباراة السعودية والأردن اليوم    بيع تذكرة تدريب رونالدو مع البرتغال مقابل 858 دولار    بلينكن يحذر من اتساع الصراع    أكثر من 15 ألف مستفيد من حملة "سلمان للإغاثة" لتحصين الأطفال ضد مرض الحصبة في اليمن    وفدٌ مجلس الشورى يقوم بزيارة إلى الهيئة الملكية بالجبيل    الذهب يفقد بريقه والنفط فوق 80 دولاراً    إلزام الجهات الحكومية برفع خدماتها على "توكلنا"    صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يستعد لاستقبال الحجاج    فاطمة الغامدي تحصل على الماجستير في العلاقات العامة بتقدير ممتاز    اليوم.. التفويج "الأكبر" للحجاج من المدينة لمكة    النوم يساعد في تحسين الصحة بشكل عام    «أبل» تستعد لإبهار العالم بتحديثات كبيرة في مؤتمر المطورين    ارتفاع أسعار النفط إلى 81.63 دولارا للبرميل عند التسوية    الفرصة ما تزال مهيأة لهطول أمطار على مكة وجازان وعسير والباحة    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة    حمزة إدريس مساعداً إدارياً في الاتحاد    وزير الداخلية يتفقد المشاريع التطويرية في المشاعر    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    اللامي ل«عكاظ»: ناظر سيعيد العميد لطريق البطولات    أمن الحج.. خط أحمر    «الدفاع المدني»: تجنبوا الزحام وراعوا كبار السن في المسجد الحرام    تعزيز بناء الجدارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية    الرئيس التنفيذي للمساحة الجيولوجية يناقش التعاون الجيولوجي في كازاخسان    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    وزير الداخلية يتفقد عددًا من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    غزة.. مشاهد موت ودمار في «النصيرات»    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    للمعلومية    توفير الوقت والجهد    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    الرئيس المتهم!    لماذا يشعر المتبرعون بالسعادة ؟!    وزير الداخلية يتفقد عدداً من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل "لا حج بلا تصريح" بجدة    عرض عسكري يعزز أمن الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منصور القطري
نشر في اليوم يوم 24 - 11 - 2004

لا تزال دراسة أثر الجماعة على الفرد في وقتنا الراهن أمراً ضرورياً ولا يأتي ذلك الاهتمام من قبيل الفضول المعرفي فقط بل أصبح ضرورياً باعتبار أن تميز أفراد المجتمع ينعكس مباشرة على تميز وتألق المجتمع بكامله وعلى كفاءة وأهلية الأمة لكي تساهم وتشارك في صناعة الحياة الإنسانية وأن لا تكون هامشية وخارج الفعل الحضاري !.
ولعل من أفضل القراءات التي طالعناها و اختصرت حالة الصراع بين الفرد وسطوة الجماعة في تسيير الأفراد وعدم استقلاليتهم رواية توفيق الحكيم ( نهر الجنون ) حيث قدمت الرواية المشهد من خلال الشخص الذي كان يشرب من ذلك النهر، فيصاب بلوثة تجعله يبدو غريباً في نظر المجتمع فيهزأ منه وينبذه باعتباره متخلفاً ، لكن بمرور الزمن تزايد عدد الشاربين ( المجانين ) وتناقص عدد ( العقلاء ) وبشكل سريع فانقلبت الصورة فأصبح ( العقلاء ) قلة تعرضت لسخرية الأكثرية ( المجنونة ) التي كانت تنظر إلى هذه الأقلية على أنها شاذة الأطوار، وتطور الوضع حتى لم يبق سوى شخص واحد فكان يأبى على نفسه أن يشرب من النهر حتى لا يفقد عقله وتميزه ! ، عاش ذلك الفرد مغترباً عن مجتمعه ولم يجد في نهاية الأمر إلا أن يشرب من ذلك النهر فيلتحق بالمجتمع الذي ينتمي ولا ينتمي إليه ؟.
والسؤال هنا : كيف تهيمن الجماعة على الفرد وتسحقه حتى يصبح من الكائنات الداجنة ؟ أي ضمن أفراد مجتمع الطاعة ( مستر Yes)؟.
الخصاء السيكولوجي
تمثل عقدة الخصاء الذهني والنفسي الصورة الحية لعملية آلية الاغتراب في شخصية الإنسان وهي انعكاس أيضاً لنتائج القمع والعنف والإكراه في التربية، فإذا كان الخصاء هو القطع والبتر واجتثاث الأعضاء التناسلية المذكرة على المستوى الجسدي فإنه يأخذ على المستوى النفسي والذهني خطورة حيث يبتر الإنسان فيها عقله فيتحقق الدمج والخنوع القهري مع عقلية القطيع !
ونظرية ( القرود الخمسة ) على بساطتها ومباشرتها وطرافتها، إلا أنها تقدم نموذجاً جديراً بالتوقف ، وهي في تقديرنا فرضية سيكولوجية أكثر منها دراسة علمية وتقول هذه الفرضية :أحضر خمسة قرود ، وضعها في قفص ! وعلق في منتصف القفص حزمة موز ، وضع تحتها سلماً ، بعد مدة قصيرة ستجد أن قرداً ما من المجموعة سيعتلي السلم محاولاً الوصول إلى الموز ، وحين يضع يده على الموز ، أطلق رشاشاً من الماء الحار على القردة الأربعة الباقين وأرعبهم ! بعد قليل سيحاول قرد آخر أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز ، كرر نفس العملية رش القردة الباقين بالماء الحار ! كرر العملية أكثر من مرة ! بعد فترة ستجد أنه ما أن يحاول أي قرد أن يعتلي السلم للوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفاً من الماء الحار .
الآن أبعد الماء الحار وأخرج قرداً من الخمسة إلى خارج القفص ، وضع مكانه قرداً جديداً ( لنسمه سعدان ) لم يعاصر ولم يشاهد رش الماء الحار ، سرعان ما سيذهب سعدان إلى السلم لقطف الموز ، حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء الحار لمنعه وستهاجمه ، بعد أكثر من محاولة سيتعلم سعدان أنه إن حاول قطف الموز سينال (علقة قرداتية) من باقي أفراد المجموعة . الآن أخرج قرداً ممن عاصروا حوادث رش الماء الحار (غير القرد سعدان) وأدخل قرداً جديداً عوضاً عنه ، ستجد أن نفس المشهد السابق سيتكرر من جديد ، القرد الجديد يذهب إلى الموز ، والقرود الباقية تنهال عليه ضرباً لمنعه ، بما فيها سعدان على الرغم من أنه لم يعاصر رش الماء ولا يدري لماذا ضربوه في السابق!!، كل ما هنالك أنه تعلم أن لمس الموز يعني ( علقة) على يد المجموعة ، لذلك ستجده يشارك ، ربما بحماس أكثر من غيره ! ( بكيل اللكمات والصفعات للقرد الجديد).
استمر بتكرار نفس الموضوع ، أخرج قرداً ممن عاصروا حوادث رش الماء ، وضع قرداً جديداً وسيتكرر نفس الموقف، كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء حتى تستبدلهم بقرود جديدة، في النهاية ستجد أن القرود ستستمر تنهال ضرباً على كل من يجرؤ على الاقتراب من السلم لماذا ؟ لا أحد منهم يدري، لكن هذا ما وجدت المجموعة نفسها عليه منذ أن جاءت إلى هذه الحلبة الاجتماعية.
شريعة الراعي بلغة الخروف
إن الناظر بالعين المبصرة لواقعنا الاجتماعي يلمس الحالة المضطربة في نمط التواصل مع المجتمع، فهناك من يميل إلى المجاملة الزائدة (المسايرة الاجتماعية) أو النقيض تماماً وهو الابتعاد والعزلة؟
لا شك أن التعامل مع البشر يتم وفق درجات قد يكون أقصاها هو التعبير عن الرأي بحرية ! ، لكن طبيعة الاختناق في التعبير عن الذات ، عمل على فرز قوالب سلوكية شاذة في المجتمعات الشرقية! هذا إذا تجاوزنا الحدود الإقليمية المحلية.
وقد نتفق على محور الارتكاز في المسايرة الاجتماعيةو المتمثل في طبيعة القمع والكبت الذي يتعرض له الطفل في الأسرة العربية والذي تحوّل مع مرور الزمن إلى عرف في مجتمعاتنا تحت شعار ( فضيلة الطاعة ) (مستر Yes ) والمنحدر أساساً من ثقافة (تعليم المقهورين) .
هذا النمط من الاستسلام للجماعة يستبطن في سلوك الأفراد عدم القدرة على التعبير عن ذواتهم ، وقد ترسم في شكل سُلّطة العرف والتقاليد وهي سُلّطة نابعة من ( القاعدة ) أي من ثقافة الشارع والديوانية والنادي والمدرسة ، والتي أسهمت بشكل مباشر في بناء وتأصيل حواجز نفسية تشكلت عبر فترات زمنية متلاحقة فتعذر معها نشوء أدب الاعتراض الراشد على جميع المستويات؟!.
فنلاحظ مثلاً أن الأبوين في المنزل يكافئان الولد المطيع ، والمدرس يغرس بواسطة الدرجات قيمة الصمت الأبله ، والمسايرة التي تؤدي في النهاية إلى تخريج طلاب يتشابهون في كل الأشياء ، أي استنساخ على طريقة ( النعجة دولي ) وكذلك الحال في سُلّطة الرئيس، والمدير في الشركة والمؤسسات (السلطة الفوقية) ، هذا النوع من التسلط أي ( السلطة الفوقية) له وضوح أكثر من النوع الآخر (سلطة العرف والتقاليد) واقرب مثال على ذلك هو تصنيف من له رأي مخالف في جهة عمله ، بحيث تلحقه تهمة العقوق والمشاكسة!!، فالمطلوب موظف ( مستر Yes) أما التسلط الثاني النابع من ( العرف والتقاليد ) فهو عصي على الرصد غير ملحوظ ، !؟ وبين هذا وذاك يتجسد معنى (الغربة) ويبقى السؤال مترنحا: ما طبيعة الغربة الحقيقية ؟ قد يصعب تعريفها في هذا الهامش لكن قد يكون أحد معانيها : أن تشعر بالوحدة وسط الزحام!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.