تصريحات الرئيس بوش الأخيرة الخاصة بإعادة نشر القوات الأميركية في آسيا وأوروبا تثير الدهشة. السبب ان هذه السياسة ستؤدي الى نهاية التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة حول العالم بما فيها اعظم انجازاتها :حلف الناتو. ان تصريحات بوش تثير ايضا الاستنكار لدرجة أنها لابد وأن تكون قد أضجرت الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان في قبره وهو الرئيس الذي مثلت سياسته نقطة تحول في السياسة الاميركية وارتكزت على التخلي العلني عن سياسة عدم التورط في القضايا الدولية خلال الهدف العريض الذي تبناه في مواجهة التوسع السوفييتي حينذاك. وتلخصت الاسس العامة لمبادئه في ربط السياسة الاوروبية بسياسة واشنطن واحتواء القرار الاوروبي في علاقة احادية التأثير، بحيث يكون الرأي الأميركي هو مصدر قرار السياسة الأوروبية. المعروف ان بوش كان قد أعلن في حفل للمحاربين القدامى في سينسيناتي بولاية أوهايو عقد في السابع عشر من أغسطس عن خطة تهدف إلى استدعاء أكثر من 70 ألف جندي إضافة إلى أسرهم وموظفي الإسناد البالغ مجمل عددهم 100 ألف شخص، وأوضح أن عددا ضخما من المجندين العائدين سيرسلون إلى القواعد الأميركية المنتشرة داخل الولاياتالمتحدة فيما قد يرسل آخرون إلى أوروبا الشرقية. ان مقترحات بوش لتخفيض الوجود السياسي والنفوذ العسكري الأميركي في اوروبا ستؤدى الى تقويض ما سعت اجيال من السياسيين و الدبلوماسيين الأميريكيين لصده وحاول خصوم عديدون للولايات المتحدة تحقيقه مشيرا الى رائحة الانتهازية السياسية التي تفوح منها لغرض الحصول على مكاسب انتخابية. ان سياسة الولاياتالمتحدة في اوربا بعد انتهاء الحرب الباردة تركزت في تخفيض التواجد الاميركي هناك مع إبقاء عدد كاف من القوات لتحقيق أهداف ثلاثة يرجح ازموس ان تقوضها جميعا خطة الرئيس المزمعة الا وهي: الحفاظ على السلام ودعم الاستقرار في القارة ، ومساعدة حلف الناتو والاتحاد الاوروبي في التوسع ونشر الديموقراطية شرقا، إمداد الحلفاء بالدعم السياسي والعسكري اللازم لمجابهة التحديات الإقليمية الطارئة خارج حدود القارة. أن التخلي عن الوجود الأميركي في أوروبا سيحيد مسار روسيا عن الديموقراطية ويزيد من التحديات التي تواجهها الولاياتالمتحدة في سعيها لتحقيق الاستقرار في مناطق من البلقان الى البحر الاسود. المهم ان سحب القوات من أوروبا سيضعف من قدرة الولاياتالمتحدة على مواجهة التحديات الماثلة في بزوغ نجم الصين كقوة عظمى وانهيار كوريا الشمالية الحتمي وتوحيد الكوريتين وما سيصاحب ذلك من تصاعد النفوذ الإقليمي لليابان. ان التحديات التى ستواجهها الولاياتالمتحدة على المستوى العالمي خلال العقدين المقبلين والخاصة بمحاربة الإرهاب ويؤكد على أن تلك التحديات تتطلب زيادة دعم التحالف الدولي على الصعيدين العسكري والسياسي لا تقويضه بسحب القوات وعملية يصفها بالانتحار السياسي. ويمكننا التأكيد على امكانية اعادة النظر في خطة بوش لاعادة نشر القوات الاميركية حول العالم سعيا لمجابهة التحديات المقبلة، وننصح بوش بان يرتأى استراتيجية تسعى لرأب الصدع مع الحلفاء و تسلك نهجا يهدف الى بناء تحالف يأخذ بعين الاعتبار المتطلبات العسكرية والسياسية للولايات المتحدة بما يرتكز على القوة العسكرية الاميركية ولا يتعارض مع رؤى الحلفاء.