كشف ألمان عن ان ما تعرض له معتقلون في سجن ابو غريب ببغداد ليس هو اول انتهاكات من نوعها ترتكبها القوات الامريكية في تاريخها.. اذ فعلت اكثر من ذلك على حد قولهم قبل اكثر من نصف قرن في المانيا. وعادت الكوابيس تداهم الالماني هاينز جيرت يوم طالع صور انتهاكات الجنود الامريكيين ضد المعتقلين في (ابو غريب) على شاشات التليفزيون. انها الصور التي ذكرته كيف اشرف على الهلاك عندما كان سجينا في ايدي القوات الامريكية عام 1945. لقد دفع الجنود الامريكيون بجيرت المجند الالماني الى ما وراء الاسلاك الشائكة في حقل مفتوح في نهاية الحرب العالمية الثانية مع انهيار قوات النازي. ومات آلاف الاسرى الالمان من الجوع والمرض ومكابدة العراء بعدما وقعوا في اسر القوات الامريكية وكاد جيرت يلقى المصير نفسه معهم.قال جيرت وهو ينخرط في نحيب مرير متذكرا رفاقه الذين اخذوا يموتون ببطء: اعتقدنا ان الامريكيين يريدون ان نموت من الجوع. واخذت تعصف بذهن الالماني العجوز ذكريات الجنود الذين دفنوا احياء تحت التراب في خنادق انهارت عليهم بسبب الامطار وهم يحاولون الاحتماء فيها او اولئك الذين اطلق عليهم الحراس الامريكيون النار وهم يحاولون الهرب عبر الاسلاك الشائكة. قال جيرت (77 عاما): لقد كان معسكرا للموت مشيرا الى أحد أسوأ معسكرات راين ميدو في راينبرج شمالي كولونيا. وتشبه صور نادرة لجنود في حالة هزال وراء الاسلاك الشائكة نفس ملامح معسكرات اعتقال النازي. وقضت قوات الحلفاء على معسكرات الاعتقال هذه في الوقت الذي شيدت فيه معسكرات الراين الرهيبة. قال جيرت ان وزنه تراجع الى 50 كيلوجراما من 80 كيلوجراما في غضون شهر من الاعتقال. وتابع: امضينا اياما كاملة دون طعام او ماء. الحشائش انقذتني من الهلاك. اولئك الذين انتهكت حقوقهم في العراق لن ينسوا ابدا ماجرى لهم. وظهر عراقيون معتقلون في (ابو غريب) وهم عراة تماما وفي اوضاع مهينة للغاية مما اثار موجة من الغضب العارم في العالمين العربي والاسلامي وقوض جهود الولاياتالمتحدة في العراق. ورغم الفارق بين ما جرى في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وما حدث في (ابو غريب) فان الصور القادمة من العراق اشعلت نار الذكريات بشأن 16 معسكرا احتجز فيها الجنود الالمان في حقول مفتوحة دونما مأوى حيث عاشوا على الحد الادنى من الطعام لأشهر بعد انتهاء الحرب. وقال هربرت شنور الذي امضى عدة اشهر هناك عندما كان مجندا في قوات النازي ولم يتجاوز عمره 17 عاما والذي تقاعد من منصبه كوزير لولاية فستفاليا الشمالية في الراين: كان راينبرج مكانا مروعا. لقد كان مركزا لوحشية الانسان. وعلى غرار الجدل بشأن احتجاز 650 اجنبيا تصفهم واشنطن بأنهم مقاتلون اعداء في معسكر بقاعدة عسكرية امريكية بخليج جوانتانامو بكوبا صنفت الولاياتالمتحدة ايضا الالمان بأنهم قوات معادية منزوعة السلاح. وكان ذلك يعني انه لا تشملهم حماية اتفاقيات جنيف. ووفقا للاتفاقية لابد من منح اسرى الحرب حصص الطعام نفسها التي تتوافر للمنتصرين. قال ديتريش كينشرف (77 عاما) الذي امضى سبعة اسابيع في معسكر راينبرج: لم نكن اسرى حرب ولم يكن لنا أي حقوق. لم يكن ثمة مأوى او طعام. كانت وجبة الطعام عبارة عن كسرة خبز ونصف لتر من الحساء او بطاطا (بطاطس) نيئة الامر الذي اضطر آلاف الاسرى الى ان يقتاتوا على الحشائش ولحاء الاشجار والجذور بل والقواقع ايضا حسبما ذكر تقرير تضمن شهادات ناجين في بلدة راينبرج. وفي التقرير اتهم ناجون القوات الامريكية بسرقة ساعاتهم وما كان معهم من خواتم وانهم ضربوا الذين اشتكوا. ولا ينسى كينشرف ابدا كيف كان الجنود الامريكيون يعاقبون الاسرى الالمان بوحشية اذا ما ضبطوا وهم يحاولون سرقة الطعام. وقال كثيرون ان الاسرى الذين ضبطوا وهم يسرقون الطعام اجبرهم الجنود الامريكيون على أكل التراب. وكان انهيار الجبهة الغربية للجيش الالماني النازي في اوائل 1945 قد اوقع نحو خمسة ملايين جندي في الاسر. واخذت قوات التحالف حتى الجرحى وبعضهم تعرض لعمليات بتر من المستشفيات الى معسكرات الاعتقال. ويقدر المؤرخون الالمان ان ما بين خمسة آلاف و20 الف اسير الماني ماتوا من الجوع والمرض والعيش في العراء. وقال المؤرخ كلاوس ديتمر هينكه من جامعة درسدن: معسكرات راين ميدو صفحة سوداء في تاريخ العسكرية الامريكية. لقد كانت هناك عمليات قتل واعدام ومات الآلاف جوعا. الا انه اشار الى انه ربما اسهم ذلك في سقوط عدد كبير من الاسرى في ايدي الامريكيين دون ان يكونوا مستعدين لذلك. وقدرت لجنة حكومية المانية غربية في عام 1971 ان ما يصل الى تسعة آلاف الماني قتلوا في اضخم ستة من معسكرات الراين. وتضمن تقرير للجنة شهادة ناجين ان الضحايا يصل عددهم الى 32 الفا.