ماذا ستفعل بهذا الكرسي الذي التصقت به وأصبح جزءا من ذاتك قائما منظورا.. تلازمه وتحمله معك أينما كنت. في المنزل؛ في العمل؛ في لقاءات الأصدقاء؛ في السهر؛ في الشارع؛ أمام التلفزيون؛ في سطور الجريدة؛ في الصور وفي الألوان.. الكرسي تحمله، ولفرط ما تعودت عليه. لم تعد تشعر به. الهزات الخفيفة وتنميل المشهد يسرعان بالخدر الى العينين، والغشية تأخذ طريقها الى الرأس.. المشهد يمر بكامل ضجيجه وبطرقاته اليابسة التي توقظ الموتى. عينان فارغتان ولا شيء يتحرك.. لم تعد تشعر بالكرسي. أنت لا تشعر بذلك الملتصق بالكرسي. أنت.. أنت لم تعد تشعر.. تتذكر ما أنت.. من أنت؛ كرسيا متحركا أم شخصا له كتلة من اللحم والدم تنبض بالحياة؟.. شيء يشبه الشلل، لكن الشلل أرحم. شيء يشبه القبر، لكن القبر أستر. شيء يجرك كخروف، لكن حتى عناد الخروف وثغاء الاحتجاج وتدبيس الأقدام في الأرض لم يصدر عنك. يالهذا ال(شيء) ينزع عنك بلل الحياة ورطوبتها، ويلقي بك في أسمال الطين وفي الصفرة الماحقة. تميل بوجهك، ما تحسبه بقية من وجهك؛ يقيك انهمارات وانهيارات تفد عليك من كل صوب في لون الحريق وسواد المآتم ولطخ الأشلاء تتنازع نهارك عند كل خبر يصك السمع ويفزز البصر.. تتشبث بكرسيك الأثير وتطيل من حبال الفرجة، تظن أن ما يحدث لا يخصك. يجري في بقعة أخرى. في تاريخ وزمان تجزم بغربتهما عنك، وعن كرسيك الذي تتشاغل به حجابا وقعودا كمن فقد حاسة الجسد وغامت بين يديه البوصلة. تتابع المشهد.. تتابع الحياة، فيما تنصرف عنهما. تتابع، لأنك فقط يجب أن تتابع قليل الحيلة منكمشا، تالفا لكثرة ما انزويت في كرسيك تتحاشى.. تنسحب.. تتجنب، وأنت تعرف أن العطب بلغ الأذقان، وأن الأمر يقتضي شيئا آخر يجاوز أصفاد العجز تتراكم الى جوارك؛ تداريها وتتعلل بها. ليس أكثر تدميرا من هذا الكرسي الذي علمك الصمت والعمى، وجعل الجسد ينزف المسؤولية قطرة قطرة؛ بلا صوت.. بلا احتجاج.. منذ قرون والدود تأكل في خشب الكرسي. والكرسي لا يفنى..