عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    المملكة تفوز بجوائز منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات «WSIS +20»    مناقشات أوروبية لفرض عقوبات على إسرائيل    النائب العام ونظيره الكوري يبحثان سبل تعزيز التعاون القانوني بين البلدين    د.الزارع يشكر القيادة الرشيدة بتعيينه على المرتبة الخامسة عشرة بوزارة التعليم    وزير الصحة: المملكة تؤكد ضرورة تحقيق صحة ورفاهة شعوب العالم    السودان: مأساة نزوح جديدة تلوح في الأفق    عبدالعزيز بن سعود يلتقي أمير نجران ونائبه ويطلع على المبادرات التنموية التي تشرف عليها الإمارة    رفض استئناف الاتحاد ضد عقوبات «الانضباط» على جماهير النادي بمواجهة الهلال    3 دول جديدة تعترف بدولة فلسطين    معرض ينطلق من الأحساء إلى العالم    افتتاح منتدى الإعلام العربي ال 22 في ثاني أيام قمة الإعلام العربي    "دور وسائل الإعلام في الحد من الجريمة"    مجزرة جديدة.. 20 قتيلا بقصف لقوات الاحتلال على مخيمات رفح    افتتاح قاعة تدريبية لتدريب وتأهيل مصابي تصلب المتعدد    كلاسيكو ساخن بنصف نهائي السوبر    وزير الداخلية يلتقي أمير نجران ونائبه ويطلع على المبادرات التنموية التي تشرف عليها الإمارة    «نايف الراجحي الاستثمارية» و«مسكان» تطلقان شركة «ارال» لتطوير مشاريع عقارية عملاقة مستدامة تحقق بيئة معيشية متكاملة    «سلمان للإغاثة» ينتزع 1.375 لغمًا عبر مشروع "مسام" في اليمن خلال أسبوع    فيصل بن مشعل يكرم 18 فائزا وفائزة بجائزة التربية الخاصة في تعليم القصيم    "التأمينات الاجتماعية" تُطلق آلية تسجيل العمل المرن المطورة    100 لوحة في معرض تعابير    سمو محافظ الخرج يكرم متدربي الكلية التقنية بالمحافظة الحاصلين على الميدالية البرونزية بالمعرض السعودي للإختراع والابتكار التقني    الملك مطمئناً الشعب: شكراً لدعواتكم    نائب أمير الشرقية يستقبل أمير الفوج الاربعون بمحافظة بقيق    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء لجنة جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز    ضبط 10 آلاف سلعة غذائية منتهية الصلاحية بعسير    القتل لإرهابي بايع تنظيماً واستهدف رجل أمن    7 اتفاقيات لتحسين جودة مشاريع الطرق في جميع المناطق    "كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة" تستعد لمرحلة «جامعة الدفاع الوطني»    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    القيادة تهنئ رئيس أذربيجان بذكرى استقلال بلاده    مخفية في شحنة قوالب خرسانية .. ضبط أكثر من 4.7 مليون قرص من الإمفيتامين المخدر    كاسترو يختار بديل لابورت أمام الهلال    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من وسط وشرق المملكة    تطبيق تقنية (var) بجميع بطولات الاتحاد الآسيوي للأندية 2024-2025    السجن والغرامة لمن يتأخر عن الإبلاغ بمغادرة مستقدميه    تمنع "نسك" دخول غير المصرح لهم    «الصقور الخضر» يعودون للتحليق في «آسيا»    «الاستثمارات العامة» يطلق مجموعة نيو للفضاء «NSG»    تفقّد ميقات ذي الحليفة.. أمير المدينة: تهيئة الخدمات لتحسين تجربة الحجاج    صالات خاصة لاستقبال الحجاج عبر «طريق مكة»    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    حلول مبتكرة لمرضى الهوس والاكتئاب    عبر دورات تدريبية ضمن مبادرة رافد الحرمين.. تأهيل العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    حفلات التخرج.. البذل والابتذال    مكتسبات «التعاون»    باخرتان سعوديتان لإغاثة الشعبين الفلسطيني والسوداني    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    إخلاص وتميز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    الاحتيال العقاري بين الوعي والترصد    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    ورحلت أمي الغالية    سكري الحمل    دراسة تكشف أسرار حياة الغربان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التناص في روايتي«عاملة المنزل» و«أن تقتل طائراً بريئا»
نشر في اليوم يوم 25 - 01 - 2014

كنت اقرأ ترجمة رواية "The Help" للكاتبة الأمريكية "كاثرين ستوكت Kathryn Stockett" التي أطلق عليها مترجمها السيد حسان البستاني الذي ترجمها لصالح الدار العربية للعلوم، ناشرون اسم "عاملة المنزل"، حين جاء على لسان إحدى بطلاتها ما يلي: " لا أزال على لائحة انتظار دوري منذ نحو ثلاثة أشهر للحصول على كتاب "قتل طائر مقلّد" من مكتبة "كارفور".
وكان الكتاب المذكور أن تقتل "طائراً مقلّداً - To kill Mockingbird" وهو رواية للكاتبة الأمريكية "هاربر لي Harper Lee" ينتظر دوره للقراءة على طاولة مكتبي، وإن كان بعنوان مختلف، لكنه قريب جداً وهو أن تقتل طائراً بريئاً، ما جعلني أضعه في أول قائمة قراءاتي المقبلة، رغم أنها صدرت قبل الرواية الأولى بعقود، لكن هذا دأب القارئ الحر، فهو لا يتقيد في قراءاته بأسبقية الإصدار.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة هو: ما الذي يعنيه على وجه العموم ذكر عمل أدبي في عمل أدبي آخر؟
بعد الإجابة عن هذا السؤال نتحول إلى البحث في الحالة موضوع الدرس، ونسأل: هل يعتبر هذا التضمين ضمن آلية التناص بين الأعمال الأدبية؟ ولماذا يا ترى يلجأ الكاتب لذلك؟
بداية يمكننا تبيان حقيقة بدهية تجيب عن جزء بسيط من تلك الأسئلة وهو أن ذكر عنوان نص أدبي في نص آخر يؤكد على أسبقية المذكور زمنياً، بمعنى أن المذكور يأتي سابقاً في وجوده عن النص الذي ذكر فيه.
أما باقي الأسئلة فتحتاج إلى الغوص عميقاً في العملين الروائيين، وفي أكثر من 1200 صفحة هي عدد صفحات العملين مجتمعين، في محاولة لابراز ما يمكن أن يكون قرينة تثبت عملية التناص بين هذين العملين السرديين.
وقد لا تكون الأدلة في هذا الصدد كافية، لتؤكد ذلك، لكن لن نخلص لنتيجة ما، قبل أن نطرح القراءة المتأنية للعملين.
أن تقتل طائراً بريئاً
تتحدث الرواية عن محام يعيش وأسرته سنة 1945م وسط بيئة ذات تمييز عنصري في الجنوب الأمريكي، بينما يتميز هو بصفات العدل والإنسانية ويتصدى للدفاع عن متهم أسود بضرب امرأة بيضاء ما يثير الاشمئزاز والعداوة ضده والتهديد بالإضرار بأسرته.
ملخص رواية عاملة المنزل
تدور أحداث الرواية في سنة 1964م، وتحكي قصة شابة حديثة التخرج، تحاول الاشتغال بالصحافة في مسقط رأسها بعد أن أمضت سني الدراسة في مناطق بعيدة أكثر انفتاحاً، وتصطدم بثقافة التمييز العنصري التي لا تزال تعشش في عقول الساكنين، وكان يسوؤها أن ترى تعامل النساء مع الخادمات السوداوات بشكل مهين، ومن أجل ذلك تفتق ذهنها عن خطة، وهي أن تكتب السيرة الذاتية لكل خادمة ومعاناتها وتنشرها في كتاب.
نبذة في التناص
لا يسلم نص أدبي من عملية التناص، وكما قال رولان بارت: "إن كل نص تناص" بمعنى أن كل نص قد بني على قراءات أخرى، هضمت ومن ثم تفاعلت مع نصوص أخرى في أتون الذات الكاتبة وخرجت إلى الوجود بشكل آخر ليتناص معها أعمال أخرى وهكذا دواليك.
وقد اكتشف النقاد أنواع عدة من التناص، ووضعوا لذلك محددات، ومن بين تلك التفريعات وجدنا أن هناك نوع من التناص ارتأينا انه يشكل مجالاً للتطبيق على الروايتين وهو ما يطلق عليه المناصة- Paratentalité التي يعرفها الناقد سعيد يقطين كالآتي: بأنها "البنية النصية التي تشترك وبنية نصية أصلية في مقام وسياق معينين وتجاورها محافظة على بنيتها كاملة ومستقلة" هذا النوع من التناص هو الأقرب في رأيي ومن قراءتي المتزامنة للعملين للتطبيق هنا.
ضمن هذا التعريف الآنف الذكر نستنبط شروط عملية المناصة، وهي:
• وجود بنيتين نصيتين إحداهما أصلية.
• تجاورهما.
• اشتراكهما في مقام وسياق معينين.
• حفاظ البنية المتناصة (التالية) على استقلاليتها.
وسننظر في احتمالية انطباق هذه الشروط على النصين بالتوالي.
أ) تعتبر رواية أن تقتل طائراً بريئاً الصادرة (1960م) البنية النصية الأصلية كونها جاءت سابقة على البنية النصية الثانية، عاملة المنزل الصادرة (2009م) بما يقارب نصف قرن، وبهذا تكون هي من يقع عليها فعل التناص حسب التعريف السابق.
ب‌) المجاورة: تتخذ الرواية الثانية من ولاية المسيسبي وعاصمتها جاكسون مسرحاً لأحداث الرواية، وهي تجاور ولاية الأباما التي تقع فيها أحداث الرواية الأولى؛ النص الأصلي، من جهة الغرب وكلتا الولايتين تقعان ضمن الولايات الجنوبية بالولايات المتحدة الأمريكية، وتطلان على خليج المكسيك.
ومن المعروف تاريخياً أن ولايات الجنوب الأمريكي كانت هي الولايات الانفصالية التي قاومت قانون تحريم الرق، وخاضت حرباً شرسة مع الولايات الشمالية من أجل ذلك، فهما تنطلقان من ثقافة واحدة.
ورغم أن الراوي في الأولى هو فتاة صغيرة في صفها الدراسي الأول، وفي الثانية يتعدد الرواة؛ فتاة جامعية صحفية بيضاء، وعاملتا منزل ملونتان، إلا أنهن يبقين نساء.
ج) السياق المشترك تنطلق كلتا الروايتين من سياق متماثل، وهو تعرية التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية فيما قبل حركات الحقوق المدنية. وتوظف الكاتبتان وجود الخادمات السوداوات كمن يقع عليه الحيف.
وتستخدم الاثنتان المفارقات الساخرة لإبراز ذلك.
وفي التفاصيل الدقيقة نرى أن النص الأصيل يخصص الفصل الرابع والعشرين للسخرية من تناقضات المجتمع المخملي الأمريكي.
فالعمة (الكسندرا) التي هي عكس أخيها، والد الطفلة الراوية، لا تؤمن بالمساواة رغم أنها تترأس جمعية تبشيرية خيرية، وتقدم مساعدات لقبيلة (المرونا) الأفريقية البائسة، بينما لا يحرك مشاعرها ما يلاقيه السود تحت نظام التمييز العنصري!
وتستخدم الرواية الثانية نفس السياق ونفس المفارقة الساخرة من الأوضاع المخملية البيضاء في الميسيسيبي، ونرى حوارا بين إحدى عضوات الرابطة الخيري لمكافحة الفقر بأفريقيا ( مقابل الجمعية التبشيرية الخيرية في الرواية الأولى) وبين رئيسة الرابطة هيلي هولبروك (مقابل الكسندرا) تنبه فيها الرئيسة إلى أنه من الأفضل أن نرسل لهم المال بدلاً من المعلبات؛ لأن شحنها مكلّف، وهي غير كافية.
فترد الرئيسة قائلة: كيف نرسل لهم المال وهم لا يملكون متاجر مثل متاجرنا، بالإضافة إلى "أنهم قد يقصدون الخيمة المحلية للفودو، ويحصلون على وشم بمالنا".
من هذه المحاورات يبدو لنا جلياً العقلية التي تعالج بها شخصيات الروايتين الأمور.
فمساعدة الفقراء لم تكن سوى ديكور اجتماعي، أو رتوش تضفي على الشخص أهمية مزيفة، وتكشف عن ذهنية عائشة في تناقض واضح، فهي لا تتوانى عن الزج بمجاورها الأسود في الجحيم، والفقر، والجريمة، بينما تتطلع عبر البحار للتخفيف عن الآخرين!
وقبل أن ننهي حديثنا عن مسألة التناص أو المناصة بالأصح، هناك ملاحظات قد تعزز برهانية التناص بين العملين نذكر منها إن الرواية الثانية لم تكتف بذكر اسم الرواية الأصلية فقط، بل ذكرت ما يمت بصلة إلى الرواية الأولى في شخص مؤلفتها.
فتذكر أن والدة البطلة في زيارة إلى عائلة زوج ابنتها المفترض، الذي يسكن بيتا يعتبر مزاراً سياحياً كانت تسكنه شخصية معروفة وهو جنرال الحرب الأهلية الجنوبي روبرت إي لي (Robert E.Lee ) وهو من تتحدر من صلبه كاتبة الرواية الأولى هاربر لي، التي يبدو أن القدر قد اختار لها سياقاً إنسانيا مختلفاً عن جدها.
كيف يرى النقاد ذلك التضمين؟ وهل تقصّدت الروائية الثانية ذلك أم لا؟ هذا جزء مما أرادت هذه الورقة طرحه للنقاش وتسليط الضوء عليه، لكني -ومن الدلائل المذكورة أعلاها واعتماداً على تعريف الناقد سعيد يقطين للمناصة التي هي أحد أنواع التناص- أرى جلياً تناصاً حقيقياً بين العملين.
د) الاحتفاظ باستقلال البنية النصية يعتبر شرطاً من أهم شروط التناص وهو الفيصل بين التناص والسرقة، وإن كانت الرواية الثانية تتماثل في كثير من جوانبها وخطابها مع الأولى، إلا أن البنية النصية تبدو مستقلة.
ونأتي للإجابة عن السؤال الأخير وهو الغرض من تضمين عنوان الرواية الأولى في الثانية.
وقد بدا جلياً أن ذلك لتعزيز الرسالة التي أرادت الكاتبة إيصالها مع وضعها في إطار فني؛ فالسود كانوا بحاجة لما يشكل لهم عزاء في واقعهم المزري، حتى لو كان قراءة رواية لامرأة بيضاء تنتصر فيها لحقوقهم.
هامش
عاملة المنزل ص231
محمد الأمين ولد أحمد عبد الله"موقع شبكة الأدب واللغة"
عاملة المنزل ص261
عاملة المنزل ص396


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.