ليوسف ادريس حوار يقول فيه «انني في كل قصة قصيرة اكتبها، اشعر بانها انما هي محاولة لتعريف جديد للقصة القصيرة لم اقله .. ان كل قصة قصيرة قرأتها وهزتني تماما، كانت دائما لحظة تركيب كوني متعدد المكونات، يؤدي إلى خلق مادة جديدة اسمها الحياة». تلك العبارة كما نرى من سياقها، تؤكد على شيئين هامين، هما اولا: انه ليس بالضرورة ان يكون للقصة القصيرة تعريف محدد، نتحرك من خلاله ونحكم به على العمل الفني. ثانيا: القصة القصيرة تستمد مادتها من الواقع «الحياة»، وهذا الواقع متجدد ومتغير، وبالتالي لا يوجد قالب ما لدى كاتب القصة القصيرة لينظر من داخله، وهو لا بد ان يختار دائما الزاوية التي يتناول الواقع منها. وكل اختيار يقوم به يحتوي على قالب جديد او على امكانية اخفاق. اعتقد ان مرجعية هذا الشكل القصصي تتفق ومرجعية القصة القصيرة، فهي استفادت من الاشكال التراثية، وان كانت القصة القصيرة جدا بحكم قصرها وتكثيفها تجد مرجعيتها في نماذج متعددة مثل النادرة العربية، فهي قصيرة وتحتوي في بنائها الفني على شخوص ورصد خارجي وحدث وغيرها. من كل ما سبق يمكن القول: ان أي شكل ادبي جديد لا يمكن ان يظهر بمعزل عن الاشكال الادبية السابقة عليه، فهو يأتي امتدادا او تعديلا او تمردا.. او غير ذلك.. ومن هذا المنطلق نستطيع القول: ان القصة القصيرة جدا شكل ابداعي، اصبح له وجوده وكيانه، ويختلف عن القصة القصيرة والاقصوصة. وهذا الشكل تحتمه الضرورة الابداعية، لتأتي الاجابة عن سؤال «لماذا» مقنعة ومبررة فنيا. ورحابة الابداع ومرونته تتسع دائما لكل جديد، ولنا ان نتعامل مع القصة القصيرة جدا بمنطقها وبالمقاربات التي تطرحها وبقواعدها التي فرضتها، فهي لم تجئ كمجرد وهم او بدعة او طفرة خالية من القواعد، والا اضحت مجرد كتابة بعيدة عن الواقع ومحكوما عليها بالتلاشي. وتبقى قضية الفرز والتأصيل والتأكيد من الاهمية بمكان، حتى لا يحدث مثلما حدث، ويحدث في قصيدة النثر من اختلاط وادعاء وتخريب بدعوى التجديد من قبل البعض. واعتقد ان مرجعية هذا الشكل القصصي تتفق ومرجعية القصة القصيرة، فهي استفادت من الاشكال التراثية، وان كانت القصة القصيرة جدا بحكم قصرها وتكثيفها تجد مرجعيتها في نماذج متعددة مثل النادرة العربية، فهي قصيرة وتحتوي في بنائها الفني على شخوص ورصد خارجي وحدث وغيرها.. والى جانب النادرة، هناك الخبر وكتب التراث تحوى الآلاف من الاخبار عن الشخصيات والحوادث. وهناك ايضا الحكاية التي تعتمد على التركيز الشديد؛ لانها تروى حدثا واحدا ومن زاوية رؤية واحدة. وكذلك القصص الشعبية. وسواء كان لهذا الشكل مرجعيته او لم يكن، فهو خرج من عباءة القص الذي يمثل العنصر الاساسي الذي تقوم عليه القصة، وعلى المبدع ان يدرك ذلك جيدا، والا اصبح الامر كما يقول القاص محمد المخزنجي احد كتاب هذا الشكل القصصي : جريمة ترتكب باسم القصة القصيرة جدا.