الأمير محمد بن ناصر يرعى حفل تخريج الدفعة 19 من طلبة جامعة جازان    مواقع التواصل تحتفي بمغادرة خادم الحرمين الشريفين المستشفى    ⁠87% من مبادرات رؤية المملكة 2030 مكتملة    نائب وزير الخارجية يجتمع بالوزير المستشار لرئيس نيكاراغوا للسياسات والعلاقات الدولية ويوقعان مذكرة تفاهم    نائب وزير الخارجية يلتقي رئيس البنك المركزي في نيكاراغوا    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس مجلس أمناء جمعية قبس للقرآن والسنة    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 47 لمساعدة أهالي غزة    كاوست ونيوم تكشفان عن أكبر مشروع لإحياء الشعاب المرجانية في العالم    "أدوبي" ترقي الفيديو بالذكاء الاصطناعي    استقرار أسعار النفط    "الجمعة".. ذروة استخدام الإنترنت بالمملكة    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    هل تشتعل جبهة جنوب لبنان ؟    روسيا: زيارة بلينكن للصين تهدف لتمزيق العلاقات بين موسكو وبكين    الأخضر السعودي 18 عاماً يخسر من مالي    الإبراهيم: تشجيع الابتكار وتطوير رأس المال البشري يسرعان النمو الاقتصادي    الإبراهيم: إستراتيجياتنا تحدث نقلة اقتصادية هيكلية    الراقي في اختبار مدرسة الوسطى.. الوحدة والفيحاء يواجهان الحزم والطائي    ميندي وهندي والنابت مهددون بالغياب عن الأهلي    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    «الرابطة» تُدين استمرار الاحتلال ارتكاب جرائم الحرب في غزة    فهد بن سلطان يتسلّم شهادة اعتماد تبوك مدينة صحيّة    أدوات الفكر في القرآن    4 نصائح طبية عند استعمال كريم الوقاية من الشمس    بيع "لوحة الآنسة ليسر" للرسام كليمت بمبلغ 32 مليون يورو    الأوبرا قنطرة إبداع    مركز وقاء بمنطقة الرياض يبدأ المرحلة الأولى لتحصين المواشي    الملك يغادر المستشفى بعد استكمال فحوصات روتينية    حجار التعصب تفرح بسقوط الهلال    مساعد رئيس مجلس الشورى تلتقي بوفد من كبار مساعدي ومستشاري أعضاء الكونغرس الأمريكي    سوناك وشولتس يتعهّدان دعم أوكرانيا "طالما استغرق الأمر" (تحديث)    اللهيبي تُطلق ملتقى «نافس وشركاء النجاح»    مين السبب في الحب ؟!    مشاهدات مليارية !    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    النفع الصوري    حياكة الذهب    لا تستعجلوا على الأول الابتدائي    إجراء أول عملية استبدال ركبة عبر «اليوم الواحد»    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    أمير الشرقية: القيادة تولي العلم والتنمية البشرية رعاية خاصة    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب    رسالة فنية    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    الإسباني "خوسيلو" على رادار أندية الدوري السعودي    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    قطاع القحمة الصحي يُنظّم فعالية "الأسبوع العالمي للتحصينات"    أمير عسير يواسي أسرة آل جفشر    أمير حائل يرفع الشكر والامتنان للقيادة على منح متضرري «طابة» تعويضات السكن    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته ال 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عبد الله باقازي:قلة كتاب القصة الموهوبين وهروب البعض نحو الرواية قللّا من وهجها
هل انتهى زمن القصة القصيرة
نشر في الرياض يوم 24 - 11 - 2011

ما الذي حدث للقصة القصيرة في بلادي، لقد خفت صوتها واضحت مغيبة عن الملتقيات الثقافية بل عزف عنها بعض النقاد وجافاها المتلقى وإني لأخشى أن يكون هذا الفن أثراً بعد عين، فلا نكاد نبصر نصاً قصصياً مدهشاً إلا لماماً ولا نلمس مجموعة قصصية جديدة تفي بشروط هذا الفن الرائع إلا نادراً، بل الأصعب من ذلك أن كتابها الذين عرفهم القارئ من خلالها تخلوا عنها وفتن نفر منهم بفن الرواية ومنها من وجد في بحور الشعر ضالته وفريق آخر هجر كتابة القصة ورأى أن المقالة الصحفية متنفساً لأفكاره وآرائه.
خالداليوسف:تحول بعض كتاب القصة إلى فنون أدبية أخرى ومنهم من انقطع عنها نهائياً
أطرح هذه الرؤية بعد ما عاشته القصة القصيرة في حقبة الثمانينيات من توهج وحضور أفرزت أجمل الأصوات القصصية وأخرجت أبدع النصوص القصصية والتي شكلت رصيداً كبيراً في مسيرة القصة القصيرة السعودية.
ترى أتختفي القصة القصيرة من خارطة الإبداع السعودي وتلحق بفنون أدبية أخرى طواها النسيان كأدب الرسائل والمقامة والتواقيع؟
حقيقة لا أدري ولكني لا استبعد ذلك.
لكن من خلال هذه الآراء نستطيع أن نصل رؤية أكثر وضوحاً، فإلى هذه الآراء.
استهل هذا الاستطلاع برؤية القاص محمد منصور الشقحاء الذي أنكر بشده إخفاق هذا الفن أو تراجعه فقال: فن كتابة القصة القصيرة يسير في خط متواز وثابت في الساحة الأدبية، وتجريب كتاب القصة القصيرة كتابة الرواية أو نظم الشعر أو المقالة لا يعني بحث الكتاب المعروفين لمناطق جذب بقدر ما هي مشاركة بوعي لحراك أدبي قائم على التكامل بين الأجناس الأدبية الرائد إبراهيم الناصر عرفناه كاتب قصة قصيرة وروائيا منذ نصف قرن ونتاجه يتناوله النقد بين وقت وآخر كما أن الأقسام الأدبية بالجامعات تحث الطلاب على دراسة نتاجه وهو إلى اليوم يكتب القصة القصيرة وهناك من بقي وفيا للقصة القصيرة مثل الصديق محمد علي قدس مع كتابته للمقالة واهتمامه بالشعر نراه يواصل كتابة القصة القصيرة والصديق خالد اليوسف عرفناه قاصا وراصدا ببلوغرافيا للساحة الأدبية كتب الرواية بعد خمس مجموعات قصصية واصدر كتابه الوثائقي انطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية نصوص وسير عام 1430 كما إن موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث الصادرة عن دار المفردات بالرياض عام 1422 خصصت المجلد لرابع للقصة القصيرة. من هنا قولنا (فلا نكاد نبصر نصاً قصصياً مدهشاً إلا لماما ولا نلمس مجموعة قصصية جديدة تفي بشرط هذا الفن الرائع إلا نادراً) إجحاف بحقنا عشاق القصة القصيرة كاتب ومتلق وساحتنا غنية بالأسماء شريفة الشملان، حسين علي حسين، فاطمة العتيبي، عبد الله باخشوين، عبدالعزيز الصقعبي، وفاء العمير وهناك أصوات جديدة نجدها في إصدارات الأندية الأدبية أو من خلال القاص والقاصة تطالعنا كل يوم في الصفحات الثقافية بالصحف وعبر رفوف المكتبات ويتجلى هذا الهم عبر معرض الرياض الدولي للكتاب، القصة القصيرة والفن الجديد القصة القصيرة جداً حديث الكتاب وهمسهم فيما نجده في الكتابات ولنا في تجربة القاصة شيمة الشمري في مجال القصة القصيرة جداً نزعة انبهار. وعن فترة الثمانينيات الميلادية وما صاحبها من حضور للقصة القصيرة يواصل الشقحاء: التوهج في حقبة الثمانينيات نتاج تنافس الأندية الأدبية مع الصحافة إذ لم يعد لدينا أدباء أو كتاب هم نتاج الصحافة إنما أيضاً لدينا كتاب وأدباء هم نتاج النادي الأدبي وهذا التوهج دليل حياة وهو وان خف الوهج إنما تبلور منتجاً فرض وجوده في دراسات جامعية أكثر عددا وأكثر ثراء خلال أعوام خمسة (1425 – 1432ه) في فن القصة القصيرة نصوص وكتاب وغياب الصحافة لا يعني إن القصة القصيرة غير موجودة بل يعني انصراف الصحف ومراسليها إلى الشأن العام وتقليص اهتمامها بالمنتج الأدبي. جربت كتابة الرواية فلم اقتنع وأنت تعرف أنني بين وقت وآخر انشر نصا شعريا وأكتب مقالة أدبية أو في الشأن العام إنما اعرف قلمي بالقاص وفاء لعشق ينزرع في أعماقي بين لحظة وأخري يدفعني لكتابة نص جديد، القصة القصيرة موجودة وتركض نشوى بعمرها الذي يتجدد عبر أسماء جديدة ولهفة أسماء قديمة جذوة الاشتعال تبقيهم أحياء.
وفي طرح من القاص خليل الفزيع يرجئ تراجع القصة القصيرة إلى تأثرها بالأوضاع الاجتماعية فيقول: هناك من يتنبأ برحيل عهد القصة ويبشر بعهد الرواية، كما كان هناك من تنبأ برحيل عهد الشعر وبشر بعهد القصة القصيرة، وفي الحالتين ليس هناك حكما حاسما، فلكل فن أدبي كتابه وقراءه، وما قد يتراجع اليوم قد يعود غدا وفق مقاييس جديدة ورؤية إبداعية تنسجم مع الأنساق الأدبية السائدة في كل فترة، والقصة القصيرة ليست استثناءً في هذه المسألة، القصة القصيرة في بلادنا ما زالت بخير، ولا تخلو مجلة ثقافية لدينا من نصوص سردية، كما أن إصدارات أنديتنا الأدبية مازالت القصة القصيرة تحتل الصدارة بينها، ما نفتقده بالفعل هو الدراسات النقدية لهذا الفن الإبداعي الجميل، ولعل طغيان الإصدارات الروائية هو الذي جذب النقاد إليها، وهي حالة طبيعية أن يهتم النقد بما هو أكثر تسيداً على الساحة الإبداعية، لكن هذا لا يعني الغياب النقدي التام للقصة القصيرة، فعلى مستوى الكتابة لا زال لدينا من يتعاطى الكتابة القصصية، وبأساليب جديدة تستند على التجريب الواعي لمتطلبات فن كتابة القصة القصيرة، كما أنه لا زال لدينا من القراء من يقبلون على هذا الفن ويعتبرونه أكثر انسجاماً مع روح العصر، بما في ذلك القصة القصيرة جداً، وعلى مستوى النقد لا زالت بعض الدراسات الأكاديمية تولي القصة القصيرة اهتمامها.
وتراجع الإصدارات في لون أدبي معين لا يعني سقوط هذا اللون من ذاكرة الإبداع، ولعلنا نتذكر أن حجم الإصدارات الشعرية قد تراجع مع ارتفاع عدد الإصدارات في القصة القصة، وها نحن نرى الإصدارات الشعرية مستمرة وفي ازدياد ملحوظ، وهذا يعني أن الإصدارات القصصية وإن تراجعت في فترة ما، فإن هذا لا يعني دوام تراجعها، وإنما هي كغيرها من فنون الإبداع تمر بحالات مد وجزر بتأثير مباشر من الأوضاع الاجتماعية وما قد يطرأ عليها من تغيرات وتحولات اقتصادية وسياسية عامة.
ويختتم الفزيع حديثه عن القصة: صحيح أن القصة القصيرة لم يعد لها ذلك الوهج الذي اتسمت به في فترة الثمانينيات، نتيجة انصراف بعض كتابها إلى فنون إبداعية وثقافية أخرى، لكن هذا لا يعني القول: إنها ستصبح أثراً بعد عين، أما أدب الرسائل والمقامات والتواقيع، فلم تكن في يوم من الأيام من ملامح أدبنا المحلي، لأنها انقرضت في وقت مبكر من تاريخ الأدب العربي بصورة عامة.
عبد السلام الحميد:أكرر مطالبتي لوزير الثقافة والإعلام عودة نادي القصة إلى خارطة الإبداع
القصة القصيرة باقية ما بقيت الذائقة الأدبية لدى المتلقي، وما بقي الوعي لدى كتابها بمسئولية الإبداع بجميع ألوانه، وفي مخلف مجالات الحياة.
بينما يرى القاص الدكتور عبدالله باقازي أن الإقبال على فن الرواية قلص من حضور القصة القصيرة فقال: الذي جعل القصة القصيرة اليوم تفقد وهجها الماضي هو قلة كتابها الموهوبين هذا من جهة ومن جهة أخرى.. الإقبال على كتابة الرواية كموجة غوغائية ربما ينكشف غبارها عما قليل وتنجلي الرؤية حولها، في تصوري أن معطيات الحياة المحيطة من سرعة وتكثيف وحرص على الوقت أو عدم وجود وقت لدى الناس ربما جعل القصة القصيرة تعود فهي أكثر ملاءمة لحياة مكثفة من رموزها الجوال والنانو.
القاصة شريفة الشملان تؤكد أن خلق هذا التخفي الذي حدث لكتاب القصة وكاتباتها هو عدم الاهتمام بها من قبل وسائط الإعلام وأضافت: القصة القصيرة، هي الحكاية الممتعة، والتي لا تأخذ من المتلقي الكثير من الوقت، لها تكتيكها الخاص وعالمها وثقافة لغتها، تلك اللغة المختصرة لتبعث صورة بأقل الكلمات، ولتعطي للمتلقي بالإضافة للمتعة الذوق اللغوي، وتهيج مخيلته للصور التي تقدمها.
إذا كانت الرواية جاءت بعد مخاض لفترة طويلة فهطلت سماؤها أمطاراً كثيرة، بعضها حضر برعد وبرد وبعضها حضر كحكاية للحياة وسجل للتاريخ معمق بالخيال الواسع، وبعض ما تستوجبه الرواية من خلفيات صورية واجتماعية.. بعد يباب، حضرت الرواية، وهجم بعضها هجوما اكتسح الكثير فيما اكتسح ومنها التابو ضد الثلاثي، الجنس والدين والسياسة، تلك التي تتعامل معها القصة القصيرة بترو وبأقل قدر ممكن من الكلمات وبتلميح لا تصريح كما الرواية، مع وجود جيل جديد متعطش للكثير.
في تلك الأثناء لم تسحب القصة القصيرة ذاتها وتختفي، ظهرت كوكبة جميلة للقصة القصيرة، قدمت إنتاجها، ونحن نعرف أن أي نص أدبي لا يجد من يعتني به إعلامياً يخبو فالقصة كالنبات، فهي تحتاج فيما تحتاج شمس الإعلام ورواء النقاد الذين آن ذاك ساروا جمعا خلف الرواية.
القصة القصيرة هي فن لا يفقد حياته بسهولة، وهي القصة التي تحكيها النساء أكثر من الرجال، لذا قد تقف قليلاً لكنها ستكون بخير، تقف فتراجع ذاتها وتعيد تقييم مساراتها مع كوكبة شابة تحملها للمتلقي، لتكن زادا للمتعة والإبهار.
من جهة أخرى يرى القاص محمد علي الشيخ أن القصة القصيرة تخلفت عن مجارات التطور في مرجعيات الفهم، وقال: ألم يكن من الطبيعي- في هذا العصر الذي لا يملك وقتاً للتأمل والتخيل والتجمل- أن تصبح القصة القصيرة من أهم شواغل القراءة والكتابة؟! إلا أن الأمر جاء نقيض المأمول. تسيّدت الرواية فضاء السرديات، وتعذر تصديق بعض المقاربات. فبينما نسم العصر بالسرعة، وبالتالي نحمله كل هذا الإسراف في الاختصارات، نجد على الجانب الآخر مساحة من ظل ممدود استوطنها نص لا يقيم للوقت اعتباراً.
لكننا ونحن المعروفون ب(لكن) لم نعدم إيجاد مبرر لمثل هذه المفارقة. فالإنسان الراحل دوماً في قطار.. يلقيه على الرصيف دون أن يسأله عن وجهته، يبحث عن وسيلة يدفن فيها تعبه وهمه وخوفه وجهله.
أحسب أن تراجع القصة القصيرة يعود في جزء منه إلى طرائق الكتابة.. وفي جزء آخر للقاص نفسه. فقد تخلفت القصة القصيرة عن مجاراة التطور في مرجعيات الفهم، وآليات التناول، وأساليب القص. وبقيت نصوصها أسيرة لتنظيرات رشاد رشدي ومحمد غنيم ويحيى حقّي - على سبيل المثال. كما أن القاص عجز عن استنطاق نصه للتّبدلات في أوجه الحياة وحركية المجتمع، فلجأ إلى منصة الراوي.. واتخذ منها مكاناً عليّاً.
القاص والببلوغرافي خالد اليوسف يرد على هذا الاتهام بكتابه الصادر حديثاً لينصف القصة القصيرة فيقول: القصة القصيرة عمل إبداعي لا يمكن أن تغيب عن واقعنا الأدبي، بل أؤكد أنه فن أدبي إبداعي متطور ومتجدد ومتفاعل مع الحركة الثقافية عامة، وهذه التأكيدات ليست للربت على الأكتاف بل هي تنبع مما يصدر كل عام وأراه أمام عيني، وقد رصدته في بحثي السنوي الذي ينشر مع بداية كل عام ميلادي.
القصة القصيرة كتابة متأصلة الجذور لذا يستحيل على كاتبها العاشق لها أن يبتعد عنها، أو أن يبدل كتابتها بغيرها من الفنون الأدبية، وهجران عدد كبير من الكتاب لها ليس دليلاً على فقدها لمجدها وبريقها، لأن ترك كتابتها وهجرها ليس جديداً، واعرف أسماء كثيرة منذ بدأت الكتابة والنشر عام 1400ه / 1980م لم يواصلوا الكتابة والنشر، لأنهم لم يجدوا أنفسهم فيها، فتحولوا إلى فن آخر قد يرضي طموحاتهم، وهناك من انقطع نهائياً عن الكتابة الأدبية.
من هذا الإحساس وهذه المسؤولية انطلقت فكرة اعتكافي على وضع كتاب جامع شامل، بل مرجعي للقصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، فأصدرت كتابي: انطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، وكما رآه كثير من المتلقين المنصفين فقد احتوى التاريخ والدراسة الفنية والسيرة الذاتية والنصوص التي مثلت حركة ومسيرة القصة القصيرة بصورة حيادية وشاملة، لذا هو رد عملي وفعلي لكيان القصة القصيرة الشامخ، ويُثبت من يكتبها بجدارة وتميز واستمرارية، ويعطي ملمحاً واضحاً أن القصة القصيرة في السعودية يستحيل أن تتوقف أو تتراجع، وما تمر به هو بسبب الإعلام الثقافي الذي أهملها على حساب الفنون الأدبية الأخرى .
ويختتم القاص محمد علي قدس هذه الآراء قائلاً: في السنوات الأولى من ظهور تيار الحداثة، كان الحوار والسباق ولا أقول (الصراع) بين الناقد والمبدع سجالاً، وفيه نوع من التحدي، وكان من بين النصوص التي راهن عليها النقاد القصصي، وكما يشير إليه سؤالكم الكبير أين هي القصة من ذلك الحضور المبهر، وذلك التألق الذي استفز النقاد وشغلهم لفترة من الزمن، هل اختلفت القصة القصيرة؟ هذا التساؤل يعيد للأذهان ما طرحه البعض عند ظهور تيارات ما بعد الحداثة حول موت القصة القصيرة؟! عندها تطرقت بعض الأقلام حول قضية نهاية الشعر.. وأن الشعر لم يعد ديوان العرب بعد أن أصبحت الهيمنة للقصة القصيرة.. لذلك أجد من الطبيعي والمنطقي.. أن يغيب صوت القصة القصيرة.. ونحن نشهد ذلك السونامي السردي الذي يحتاج المشهد الثقافي.. فقد تجرأ على كتابة الرواية حتى الذين كانوا لا صلة لهم من قريب أو بعيد بالسرد.. وكان طبيعياً أيضاً أن يشد انتباه النقاد الكم الهائل من الروايات، وعلى الأخص ذلك النوع من الروايات الذي فيه من الجرأة والمغامرة والمجاهرة بتصوير الأماكن المحظورة في أي مجتمع، وكشف ما هو مستور خلف الجدران، لاشك عندي أن التطور المذهل والنقلة النوعية في كتابة الأعمال الروائية في العقدين الأخيرين كان بحق مذهلاً وغير متوقع، ومرد ذلك أنه كان وليد المغامرة والجرأة، وعلى اختلاف كبير على ما كانت عليه القصة القصيرة سواء في البدايات، أو في خضم تيارات ثورة الحداثة، فالروائي ترك لخياله العنان، وأنكب بقلمه على الورق ليفرغ ما بداخله بتلقائية ودون حواجز أو خطوط حمراء اجتماعية أو عقائدية. لذلك كان الكثير من الأعمال السردية كان معظمها مغامرات متهورة كما قال الروائي الراحل حنا مينا.. واعتبر معظم الروايات العربية الجديدة بأنها كانت من الجرأة بحيث انقلبت على المضمون والشكل.. ولو خضعت لموازين النص الأدبي الإبداعي، لكانت خارج مجال التقويم الفني تماماً، وهو ما ألمح إليه الروائي الأرجنتيني جارسيا ماركيز والفرنسي آلا نروب غرييه في تعليقهما على أدب (اللارواية).. ويزعم غرييه بثقة أن الكثير من مبدعي الروايات الجديدة غير قادرين على كتابة نص قصصي قصير فيه من الإبداع لغة وتكثيفاً وإيحاءً مالا يكون ممكنا أو محسوساً في عمل سردي له شفافيته وإباحيته التي لا تحتاج لقدرة إبداعية على رسم أدق التفاصيل في صورها ومواقفها وشخصياتها.
كانت القصة القصيرة في الثمانينيات الميلادية تعيش أزهى عصورها.. وكان لها فضل انتعاش الحركة النقدية، فالنص القصصي القصير يخضع لموازين ومقاييس نقدية تحدد أبعاده الجمالية، وهذه الموازين مكنت النقاد من قراءة النصوص والوصول إلى دلالاتها. جيل القصة الذين كانوا رواداً لهذه المرحلة.. انصرف بعضهم متقاعداً عن كتابة نصوص جديدة، وتكاسل البعض أو ابتعد لانحسار الضوء عنهم، وانساق الغالبية نحو الرواية وقد سرقتهم أضواؤها.. ولكني واثق من ان الإبداع يكمن بلا جدال في نص قصصي أو شعري أو مسرحي.. ولا يمكن أن يقوم مجد فن على أنقاض فن آخر.. وأنا كنت ولا زلت موقناً بأن الكتابة الإبداعية قصة وشعراً تعد عملاً انقلابياً، ما دام المبدع يتطلع لنص يدهش القارئ ويستفز النقد.. والنظرة إلى الفن أو الأدب في كل زمان ومكان تخضع لأخلاقيات وقوانين مرسومة تؤكد فعالية الإبداع وإيجابياته وبقاء الفن أو اختفاؤه لفترة ما مسألة تحكمها تقلبات المناخ ومتغيرات الأوضاع.
ومن حائل يرى القاص عبدالسلام الحميد أن عدم وجود حركة نقدية توازي ما تقدمه التجربة القصصية وذكر أيضاً: إلغاء نادي القصة السعودية مع مطالبتنا المتكررة بإعادته وبعثه من مرقده كي تعود قصتنا السعودية مشرقة مرة أخرى وكذلك عدم وجود نقاد متخصصين في هذا الجنس الأدبي.
فالقصة تعاني من عدم وجود حركة نقدية موازية بينما حظي الشعر خاصة الحديث بجهود رجل مثل الدكتور الغذامي أسست له نقدياً بشكل جعل الشعر السعودي موجوداً بوضوح على الخريطة الثقافية والنقدية العربية؛ بينما لم تحظ القصة بهذا القدر من العناية ماعدا بعض الجهود الأنطولوجية كجهود الدكتور محمد صالح الشنطي وهي رغم أهميتها الكبيرة إلا أنها لا تفي بالتأكيد باحتياجات القصة السعودية.
أضف إلى هذا وذاك هوس الشباب بالرواية الآن وهو نتيجة لما سبق وليس سبباً قائماً بذاته فلو وجدت جهة تدعم القصة وتهتم بكتابها وتدعم في بداياتهم كم فعل نادي القصة في التسعينيات الهجرية حينما أصدر مجموعة بعنوان أذرع الواحات المشمسة. كما أظن وكانت هذه المجموعة تحوي قصة واحدة لكل شاب أو شابة من المبتدئين في ذلك الوقت لتغير الحال عما هو عليه الآن ولعلي هنا لا أنس جهود الأستاذ جبير المليحان في موقعه القصة العربية الذي يحاول أن يغطي بعض العجز في خدمة كتاب القصة. وكذلك الأستاذ خالد اليوسف أجدها فرصة سانحة فأكرر مطالبتي وجميع القصاص السعوديين للوزير المثقف الدكتور عبدالعزيز خوجة بإعادة نادي القصة السعودي إلى خارطة الإبداع مجدداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.