مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    ترمب يعتزم فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على أشباه الموصلات    أمير الشرقية يستقبل أمير الفوج التاسع    محمد بن عبدالرحمن: مطار الملك سلمان يحول الرياض لمركز عالمي للنقل والخدمات اللوجستية    فهد بن سلطان يطّلع على نتائج القبول بجامعة تبوك    تتصدرها الفلل والشقق.. 5.4 مليار ريال تمويلات سكنية    تطبيق إلزامي لكود البنية التحتية بمنطقة الرياض    حساب المواطن يستعد لصرف دفعة أغسطس    بدء جلسات محاكمة قاتل القاسم.. ووزير الحج ينعيه    طهران تعدم متهماً بالتجسس لصالح إسرائيل    الصومال يشدد قبضته الأمنية على الإرهاب    انقلاب شاحنة مساعدات يقتل 20 فلسطينياً في غزة    أخضر- 19 يتعادل مع نظيره البرازيلي في بطولة العالم لكرة اليد    تفاهم بين الرياض وبغداد لمكافحة الإتجار بالمخدرات    الباحة.. أهلي ومطر    القيادة تهنئ حاكم جامايكا بذكرى بلاده    احتفال الفرا وعمران    بحضور رجال أعمال ومسؤولين.. آل بالخشر وآل بامسق يحتفلون بزواج عبدالله    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    التعليم.. استثمارنا الأعمق    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    2 مليون دولار لتأمين «ابتسامة» نجمة هوليود    أمير نجران يطلق جمعية الإبل    الرياض وجهة عالمية لعرض وبيع الصقور    فيصل بن مشعل يدشن مركز الملك عبدالعزيز للمؤتمرات بجامعة القصيم    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    النائب العام يستقبل سفير جمهورية مصر لدى المملكة    فريق سفراء الإعلام والتطوع" يزور مركز هيئة التراث بجازان    مفردات من قلب الجنوب 9    أخضر اليد يتعادل مع البرازيل    أرتيتا يؤكد أن آرسنال «مؤمن» بقدرته على إنهاء صيامه عن الألقاب    59% من منشآت القطاع الخاص دربت موظفيها على الحاسب    66 مليون شجرة مساهمة القطاع الخاص بمكافحة التصحر    قرب عودة المدارس يشعل الإيجارات    البلاسيبو.. عندما يتحول الوهم إلى شفاء    هل نقد النقد ترف أم ضرورة؟    زيلينسكي: يبدو أن روسيا أصبحت أكثر ميلا لوقف إطلاق النار    السعودية والعراق توقعان اتفاقية في مجال مكافحة المخدرات    وزير الدفاع يبحث مع نظيره الأمريكي تطوير الشراكة الإستراتيجية    إقامة بطولة "Six Kings Slam" العالمية للتنس في الرياض أكتوبر المقبل    مثول المتهم بقتل محمد القاسم أمام محكمة كامبريدج    إحباط تهريب (10) كيلوجرامات من مادة الحشيش المخدر في جازان    ارتفاع عدد وفيات سوء التغذية في غزة إلى 193 بينهم 96 طفلاً    مركزي جازان ينجح في إزالة ثلاث عقد في الغدة الدرقية الحميدة بالتردد الحراري دون تدخل جراحي    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    البريد السعودي ‏يُصدر طابعًا تذكاريًا بمناسبة تكريم أمير منطقة ⁧‫مكة‬⁩ المكرمة ‬⁩تقديرًا لإسهاماته    بعد 80 عاما من قصفها هيروشيما تدعو العالم للتخلي عن السلاح النووي    تمكين المواطن ورفاهيته بؤرة اهتمام القيادة    والد ضحية حفل محمد رمضان: أموال الدنيا لن تعوضني عن ابني    إنسان: إيداع أكثر من 10 ملايين ريال في حسابات المستفيدين    صحن المطاف مخصص للطواف    سفير سريلانكا: المملكة تؤدي دوراً كبيراً في تعزيز قيم التسامح    تقليل ضربات الشمس بين عمال نظافة الأحساء    الراحل تركي السرحاني    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة هروب    مستشفى د. سليمان فقيه بجدة يحصد اعتماد 14 مركز تميّز طبي من SRC    روائح غريبة تنذر بورم دماغي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إمام الحرم: النفس السمحة كالأرض الطيبة إن أردت عبورها هانت وإذا زرعتها لانت
في خطبة الجمعة
نشر في الوئام يوم 28 - 10 - 2016

حمد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ ماهر المعيقلي، الله عز وجل الذي تكرَّم علينا بدينِ الإسلام، وجعل السماحةَ فيه منهجًا للأنام موصيا بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : نشهدُ في عالَمِنا اليومَ، إلصاق شُبه بالإسلام وأهله، تتمثَّلُ في وصف هذا الدِّين العظيمِ وأتباعِهِ، بالتَّعصُّب والطائفية، والعُنْفِ والشِّدَّة، والإسلام بَريء مِن ذلك؛ فهو دينُ الرَّحمة والعَدالَة، والتَّسامُح والمحبَّة، فعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: «الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» فهي حَنِيفِيَّةٌ فِي التَّوْحِيدِ، سَمْحَةٌ فِي الْعَمَلِ، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً وأبا موسى إلى اليمن، قال: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا» متفق عليه وأوضح أن شريعة الإسلام، قامت على السَّمَاحَةِ والسُّهُولَةِ، واليُسْرِ والرَّحمةِ، في العقيدة والعبادات، والأخلاق والمعاملات، والدعوة إلى الله مع المسلم وغير المسلم، مستشهداً بقوله تعالى ُ: ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ ) ويقول ابن كثير رحمه الله: (( أيْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نِعَمَهُ عَلَيْكُمْ، فِيمَا شَرَعَهُ لَكُمْ، مِنَ التَّوْسِعَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالتَّسْهِيلِ وَالسَّمَاحَةِ )).
وقال فضيلته : ها هو صلى الله عليه وسلم يحث على السماحة في المعاملة، والتخلق بمعالي الأمور وترك المشاحة، ويدعو صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن تحلى بذلك ففي صحيح البخاري، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» , ومَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا.
وأضاف فضيلته قائلا : وتتجلى هذه السماحة والرحمة، في صور شتى من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، في عباداته ومعاملاته، وفي سلوكه وأخلاقه، مع قرابته وأصحابه، وأصدقائه وأعدائه، فكان صلى الله عليه وسلم لما قسم رحمة للخلق كلهم، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم، ففي غزوة بدر الكبرى، كان مع أسرى المشركين، أبا العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ، أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وترحم على خديجه، وَقَالَ لأصحابه: (( إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا ))، فَقَالُوا: نَعَمْ يا رسول الله. رواه أبو داود بسند حسن، من حديث عائشة رضي الله عنها.
وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين على المؤلفة قلوبهم، وجد بعضُ الأنصار في أنفسهم من قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام صلى الله عليه وسلم خطيبا فيهم، تطييبا لنفوسهم، وجبرا لخواطرهم، ففي الصحيحين ومسند الإمام أحمد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟» ، قَالُوا: بَلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ: «أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ» قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ، قَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ» قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ، حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا )).
وأشار فضيلته إلى ما في الصحيحين ومسند الإمام أحمد، من حديث جابر رضي الله عنه وأرضاه، عندما قال: كنا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فجاء رجل من المشركين وسيف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم معلق بالشجرة فاخترطه فقال: تخافني؟ قال : لا فقال: فمن يمنعك مني؟ قال: اللَّه ، فسقط السيف من يده، فأخذه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: من يمنعك مني؟ فقال: كن خير آخذ. فقال: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه؟ قال: لا ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله صلى الله عليه وسلم، فأتى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس. فلمْ يُجبِرْهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ علَى الإسلامِ، ولم يعاقبه على فعلته، فدخل الإسلام في قلبه، ورجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير.
ولفت الشيخ المعيقلي إلى أن من عظيم سماحته صلى الله عليه وسلم، دعاؤه للمشركين، رجاء أن يهدي الله قلوبهم للإسلام، ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ دَوْسًا قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (( اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ )). ولقد فطن إلى ذلك يهود، فكانوا يتظاهرون بالعطاس عند النبي صلى الله عليه وسلم، رجاء أن يدعو لهم بالرحمة، فلم يحرمهم صلى الله عليه وسلم من الدعوة بالهداية والصلاح، ففي سنن الترمذي بسند صحيح، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: كَانَ اليَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم: (( يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ)).
وأوضح فضيلته أن الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلمِ كان أحسن الناس خُلُقَا، وأوسعهم صدراً ، وأصدقهم حديثا ، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، كثيرَ التَّبَسُّمِ، طَيِّبَ الكَلَامِ، وَصُولَاً لِلْأَرحَامِ، حَرِيصَاً عَلَى السَّلَامِ وإِفْشَاءِ السَّلَامِ، لَا يُحِبُّ أَنْ يَقُومَ لَهُ أَحَدٌ مِنَ المجَلِسِ، وَيَجلِسُ حَيثُ يَنتهِى بهِ المجلسُ، يُخَالِطُ الناسَ فَيُرْشِدُهُمْ إلَى الأمانةِ، وَينهاهُمْ عَنِ الغِشِّ والخيانةِ، حَسَنَ المُصَاحَبَةِ والمعَاشَرَةِ، يَغُضُّ عَنْ أَخطاءِ وَهَفَوَاتِ مَنْ خَالَطَهُ، يَقْبَلُ مَعْذِرَةَ المُسِيءِ مِنْهُمْ، وَإذَا بَلَغَهُ خَطَأَ أَحَدٍ مِنهُمْ، لَا يَقابله بِمَا يَكْرَهُ، بلْ يَقولُ: (( مَا بالُ أقوامٍ يَفعلونَ كَذَا وَكَذَا ))، يتلطَّفُ إِلى مَنْ حَولَهُ، حَتَّى يَظُنَّ كُلُّ واحدٍ منهُم أنَّهُ أحبُّ الناسِ إليهِ، يَستشيرُ ذَوِي الرأْيِ والمشورةِ مِنه��م، مَعَ أنَّهُ تَمَيَّزَ بِتَأْييدِ الوَحْيِ عَنْهُمْ، يُشَارِكُ أصحابَهُ فيمَا يَعمَلونَ، وَيَتَحَمَّلُ مِنَ الصعابِ مَا يَتَحَمَّلُونَ، ويوجز ذلك الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، في بيان سماحة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (( إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ )).
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أَنَّ السَّمَاحَةَ والرحمة تُثْمِرُ مُجتَمَعَاً يَسُودُهُ الحُبُّ والتَّرَاحُمُ، والتَّعَاوُنُ والتَّلَاحُمُ، وكما قيل: النفس السَّمحة كالأرض الطَّيِّبَة، إن أردت عبورها هانت، وإن أردت زراعتها لانت، وإن أردت البناء فيها سهلت، وإن شئت النوم عليها تمهدت , وفِي صَحِيحِ البخاريِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ))، سماحة ويسر: في العقائد والعبادات، والآداب والاخلاق، فعقيدتُهُ أصحُّ العقائدِ وأَقْوَمُهَا، وعباداتُهُ أحسنُ العباداتِ وأعدَلُهَا، وأخلاقُهُ أزكَى الأخلاقِ وأتَمُّها وأكمَلُهَا، فَهُوَ دِينٌ لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا شِدَّةَ، ولا تَعْسِيرَ وَلَا مَشَقَّةَ.
وقال فضيلته : قد ندب الإسلام كثيراً إلى تجسيد هذا القواعد في المجتمعات، وجعل ذلك في مقام العبادات، فَإِظْهَارُ الْبَشَاشَةِ وَالْبِشْرِ عبادةٌ، وإماطةُ الأذَى عَنِ الطريقِ عبادَةٌ، وعِيَادَةُ المريضِ عِبادةٌ، وإكرامُ الضيفِ عبادَةٌ، واللُّقمَةُ يَضَعُهَا الرجلُ فِي فَمِ زَوجَتِهِ عِبَادَةٌ، وَشُكْرُ اللهِ تعالَى عَلى اليُسرِ والسماحةِ عبادةٌ، وكف الأذى عن الناس عبادة، وكلُّ عَمَلٍ أُرِيدَ بهِ وَجهُ اللهِ فَهُوَ عِبَادةٌ، وَفِي الصحيحينِ مِنْ حديثِ أَبِي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ)).
وأكد فضيلته أن سماحة الإسلام تتجلى في عزة هذه الأمة بدينها، بإيمانها وعقيدتها، بتطبيقها لشريعة ربها، فلم تكن سماحته صلى الله عليه وسلم ورحمته، لتحول بينه وبين إقامة حدود الله، أو مناصرة المظلومين، ففي الصحيحين لما سرقت المرأة المخزومية، قطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها وقال: ((وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))، وفي صحيح مسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى سَرِيَّةٍ مَا وَجَدَ عَلَى السَّبْعِينَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، كَانُوا يُدْعَوْنَ الْقُرَّاءَ، فَمَكَثَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَتَلَتِهِم )), ولما نقضت قريش عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقتلت عشرين رجلًا من خزاعة، غَضِبَ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتصر للمظلومين فكان فتح مكة، ووقف صلى الله عليه وسلم عَلَى بَاب الْكَعْبَة، وقريش قد اجتمعوا في الحرم، فقَالَ: (( يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ )) وقال فضيلته :
ألا ما أعظم التواضع عند النصر، وما أجمل العفو عند المقدرة، والسماحة مع المسيئين، وكل ذلك تمثل في رسول الله صلى الله عليه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.