الشرقية تتزين بأكثر من 26 ألف عنصر جمالي احتفاءً باليوم الوطني ال 95    بريطانيا وأستراليا وكندا يعلنون اعترافهم بدولة فلسطين    نائب أمير تبوك يرعى حفل مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية باليوم الوطني ال 95 للمملكة    أمير الرياض يطلع على التقرير السنوي لهيئة تطوير محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية    نائب أمير الشرقية يستقبل أمين الأحساء ويثمّن جهود هيئة تطوير الشرقية    انطلاق مزاد نادي الصقور السعودي 2025 في الرياض مطلع أكتوبر    مستشفى الدرعية ينجح في إجراء عملية معقدة لتصحيح العمود الفقري    وفاة معلمة بمدرسة طريب الثانية والصلاة عليها غدًا بعد صلاة الظهر في جامع ابن وهف        جمعية تحفيظ القرآن بطريب" تعقد اجتماعها الدوري وتصدر قرارات لتطوير أعمالها    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة أمنية    اختتام الدراسات الأولية للشارة الخشبية لقائدات وحدات فتيات الكشافة    القيادة تهنئ الحاكم العام لبيليز بذكرى استقلال بلادها    فلكية جدة: بداية فصل الخريف غدا    رسالة المسجد في توطيد اللحمة الوطنية    آي سي يو    الأمن العام: ضوابط مشددة لصون مكانة العلم السعودي    النصر يسحق الرياض بخماسية.. الاتحاد يتجاوز النجمة.. تعادل الحزم والفتح    أخضر البادل يختتم الخليجية ب(برونزيتين)    الذهب يحقق مكاسبه الأسبوعية الخامسة عقب أول خفض لسعر الفائدة    جيسوس يساند لاعبه وسط الانتقادات    تعادل الحزم والفتح سلبياً    ابن زيدان يفاجئ والده ويحمي عرين الجزائر    في دور ال 32 من كأس حادم الحرمين الشريفين.. الاتفاق والتعاون في ضيافة الباطن والفيصلي    أخضر الناشئين يكسب البحرين برباعية في كأس الخليج    تداول يواصل هبوطه الأسبوعي    ولي العهد.. نجم السعد    حائل: وكيل وزارة البلديات يطلع على «إتمام»    بحضور أمراء ورجال أعمال .. بن داوود والعبدلي يحتفلان بعقد قران عبدالعزيز    16 مليون شخص يتابعون « الشمس المكسوفة»    آل العطار يزفون أحمد ويوسف    ماكرون: نعمل معاً من أجل تحقيق السلام.. ولي العهد والرئيس الفرنسي يناقشان نتائج «حل الدولتين»    بتوجيه من الملك وبناء على ما رفعه ولي العهد.. 1.3 مليار ريال دعماً لليمن    إسدال الستار على «الفضاء مداك»    صيني يدفع المال لابنته مقابل «رسالة»    إعلان الفائزين بجوائز«صناعة الأفلام»    مي كساب:«اللعبة 5» موسم مختلف    40 فعالية في احتفالات اليوم الوطني بمركز«إثراء»    "الهيئة الملكية للرياض" تعالج الازدحام المروري    انتخاب المملكة لعضوية مجلس محافظي «الطاقة الذرية»    395 مليون ريال لتنفيذ مشروعات تطويرية لمساجد المدينة المنورة    15 مليار ريال سوق الأمن السيبراني    فعاليات في جامعة الملك خالد عن سلامة المرضى    استخدام تقنية دقيقة ومتقدمة تسهم بإنقاذ مريض مصاب في حادث سير    الصحة: 96% من مرضى العناية لم يتلقوا «اللقاح»    قلة النوم ترفع الضغط وتزيد مخاطر السكتات    المملكة تُخفّف معاناة المحتاجين    خطيب المسجد الحرام: استحضروا عظمة الله وقدرته في كل الأحوال    إمام المسجد النبوي: من أراد الهداية فعليه بالقرآن    مصر: القوات المنتشرة في سيناء تستهدف تأمين الحدود ضد المخاطر    اليوم الوطني المجيد والمرونة التي تحفظ الوطن وتعزز أمنه    نائب أمير تبوك يكرّم الفائزين بجائزة صيتة    69% تراجع بقضايا المزادات العقارية    نائب أمير منطقة القصيم يستقبل محافظ الأسياح وفريق أبا الورود التطوعي    1.380 ميار ريال دعم سعودي جديد لليمن    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إمام الحرم: النفس السمحة كالأرض الطيبة إن أردت عبورها هانت وإذا زرعتها لانت
في خطبة الجمعة
نشر في الوئام يوم 28 - 10 - 2016

حمد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ ماهر المعيقلي، الله عز وجل الذي تكرَّم علينا بدينِ الإسلام، وجعل السماحةَ فيه منهجًا للأنام موصيا بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : نشهدُ في عالَمِنا اليومَ، إلصاق شُبه بالإسلام وأهله، تتمثَّلُ في وصف هذا الدِّين العظيمِ وأتباعِهِ، بالتَّعصُّب والطائفية، والعُنْفِ والشِّدَّة، والإسلام بَريء مِن ذلك؛ فهو دينُ الرَّحمة والعَدالَة، والتَّسامُح والمحبَّة، فعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: «الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» فهي حَنِيفِيَّةٌ فِي التَّوْحِيدِ، سَمْحَةٌ فِي الْعَمَلِ، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً وأبا موسى إلى اليمن، قال: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا» متفق عليه وأوضح أن شريعة الإسلام، قامت على السَّمَاحَةِ والسُّهُولَةِ، واليُسْرِ والرَّحمةِ، في العقيدة والعبادات، والأخلاق والمعاملات، والدعوة إلى الله مع المسلم وغير المسلم، مستشهداً بقوله تعالى ُ: ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ ) ويقول ابن كثير رحمه الله: (( أيْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نِعَمَهُ عَلَيْكُمْ، فِيمَا شَرَعَهُ لَكُمْ، مِنَ التَّوْسِعَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالتَّسْهِيلِ وَالسَّمَاحَةِ )).
وقال فضيلته : ها هو صلى الله عليه وسلم يحث على السماحة في المعاملة، والتخلق بمعالي الأمور وترك المشاحة، ويدعو صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن تحلى بذلك ففي صحيح البخاري، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» , ومَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا.
وأضاف فضيلته قائلا : وتتجلى هذه السماحة والرحمة، في صور شتى من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، في عباداته ومعاملاته، وفي سلوكه وأخلاقه، مع قرابته وأصحابه، وأصدقائه وأعدائه، فكان صلى الله عليه وسلم لما قسم رحمة للخلق كلهم، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم، ففي غزوة بدر الكبرى، كان مع أسرى المشركين، أبا العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ، أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وترحم على خديجه، وَقَالَ لأصحابه: (( إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا ))، فَقَالُوا: نَعَمْ يا رسول الله. رواه أبو داود بسند حسن، من حديث عائشة رضي الله عنها.
وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين على المؤلفة قلوبهم، وجد بعضُ الأنصار في أنفسهم من قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام صلى الله عليه وسلم خطيبا فيهم، تطييبا لنفوسهم، وجبرا لخواطرهم، ففي الصحيحين ومسند الإمام أحمد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟» ، قَالُوا: بَلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ: «أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ» قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ، قَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ» قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ، حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا )).
وأشار فضيلته إلى ما في الصحيحين ومسند الإمام أحمد، من حديث جابر رضي الله عنه وأرضاه، عندما قال: كنا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فجاء رجل من المشركين وسيف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم معلق بالشجرة فاخترطه فقال: تخافني؟ قال : لا فقال: فمن يمنعك مني؟ قال: اللَّه ، فسقط السيف من يده، فأخذه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: من يمنعك مني؟ فقال: كن خير آخذ. فقال: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه؟ قال: لا ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله صلى الله عليه وسلم، فأتى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس. فلمْ يُجبِرْهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ علَى الإسلامِ، ولم يعاقبه على فعلته، فدخل الإسلام في قلبه، ورجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير.
ولفت الشيخ المعيقلي إلى أن من عظيم سماحته صلى الله عليه وسلم، دعاؤه للمشركين، رجاء أن يهدي الله قلوبهم للإسلام، ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ دَوْسًا قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (( اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ )). ولقد فطن إلى ذلك يهود، فكانوا يتظاهرون بالعطاس عند النبي صلى الله عليه وسلم، رجاء أن يدعو لهم بالرحمة، فلم يحرمهم صلى الله عليه وسلم من الدعوة بالهداية والصلاح، ففي سنن الترمذي بسند صحيح، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: كَانَ اليَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم: (( يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ)).
وأوضح فضيلته أن الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلمِ كان أحسن الناس خُلُقَا، وأوسعهم صدراً ، وأصدقهم حديثا ، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، كثيرَ التَّبَسُّمِ، طَيِّبَ الكَلَامِ، وَصُولَاً لِلْأَرحَامِ، حَرِيصَاً عَلَى السَّلَامِ وإِفْشَاءِ السَّلَامِ، لَا يُحِبُّ أَنْ يَقُومَ لَهُ أَحَدٌ مِنَ المجَلِسِ، وَيَجلِسُ حَيثُ يَنتهِى بهِ المجلسُ، يُخَالِطُ الناسَ فَيُرْشِدُهُمْ إلَى الأمانةِ، وَينهاهُمْ عَنِ الغِشِّ والخيانةِ، حَسَنَ المُصَاحَبَةِ والمعَاشَرَةِ، يَغُضُّ عَنْ أَخطاءِ وَهَفَوَاتِ مَنْ خَالَطَهُ، يَقْبَلُ مَعْذِرَةَ المُسِيءِ مِنْهُمْ، وَإذَا بَلَغَهُ خَطَأَ أَحَدٍ مِنهُمْ، لَا يَقابله بِمَا يَكْرَهُ، بلْ يَقولُ: (( مَا بالُ أقوامٍ يَفعلونَ كَذَا وَكَذَا ))، يتلطَّفُ إِلى مَنْ حَولَهُ، حَتَّى يَظُنَّ كُلُّ واحدٍ منهُم أنَّهُ أحبُّ الناسِ إليهِ، يَستشيرُ ذَوِي الرأْيِ والمشورةِ مِنه��م، مَعَ أنَّهُ تَمَيَّزَ بِتَأْييدِ الوَحْيِ عَنْهُمْ، يُشَارِكُ أصحابَهُ فيمَا يَعمَلونَ، وَيَتَحَمَّلُ مِنَ الصعابِ مَا يَتَحَمَّلُونَ، ويوجز ذلك الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، في بيان سماحة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (( إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ )).
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أَنَّ السَّمَاحَةَ والرحمة تُثْمِرُ مُجتَمَعَاً يَسُودُهُ الحُبُّ والتَّرَاحُمُ، والتَّعَاوُنُ والتَّلَاحُمُ، وكما قيل: النفس السَّمحة كالأرض الطَّيِّبَة، إن أردت عبورها هانت، وإن أردت زراعتها لانت، وإن أردت البناء فيها سهلت، وإن شئت النوم عليها تمهدت , وفِي صَحِيحِ البخاريِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ))، سماحة ويسر: في العقائد والعبادات، والآداب والاخلاق، فعقيدتُهُ أصحُّ العقائدِ وأَقْوَمُهَا، وعباداتُهُ أحسنُ العباداتِ وأعدَلُهَا، وأخلاقُهُ أزكَى الأخلاقِ وأتَمُّها وأكمَلُهَا، فَهُوَ دِينٌ لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا شِدَّةَ، ولا تَعْسِيرَ وَلَا مَشَقَّةَ.
وقال فضيلته : قد ندب الإسلام كثيراً إلى تجسيد هذا القواعد في المجتمعات، وجعل ذلك في مقام العبادات، فَإِظْهَارُ الْبَشَاشَةِ وَالْبِشْرِ عبادةٌ، وإماطةُ الأذَى عَنِ الطريقِ عبادَةٌ، وعِيَادَةُ المريضِ عِبادةٌ، وإكرامُ الضيفِ عبادَةٌ، واللُّقمَةُ يَضَعُهَا الرجلُ فِي فَمِ زَوجَتِهِ عِبَادَةٌ، وَشُكْرُ اللهِ تعالَى عَلى اليُسرِ والسماحةِ عبادةٌ، وكف الأذى عن الناس عبادة، وكلُّ عَمَلٍ أُرِيدَ بهِ وَجهُ اللهِ فَهُوَ عِبَادةٌ، وَفِي الصحيحينِ مِنْ حديثِ أَبِي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ)).
وأكد فضيلته أن سماحة الإسلام تتجلى في عزة هذه الأمة بدينها، بإيمانها وعقيدتها، بتطبيقها لشريعة ربها، فلم تكن سماحته صلى الله عليه وسلم ورحمته، لتحول بينه وبين إقامة حدود الله، أو مناصرة المظلومين، ففي الصحيحين لما سرقت المرأة المخزومية، قطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها وقال: ((وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))، وفي صحيح مسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى سَرِيَّةٍ مَا وَجَدَ عَلَى السَّبْعِينَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، كَانُوا يُدْعَوْنَ الْقُرَّاءَ، فَمَكَثَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَتَلَتِهِم )), ولما نقضت قريش عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقتلت عشرين رجلًا من خزاعة، غَضِبَ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتصر للمظلومين فكان فتح مكة، ووقف صلى الله عليه وسلم عَلَى بَاب الْكَعْبَة، وقريش قد اجتمعوا في الحرم، فقَالَ: (( يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ )) وقال فضيلته :
ألا ما أعظم التواضع عند النصر، وما أجمل العفو عند المقدرة، والسماحة مع المسيئين، وكل ذلك تمثل في رسول الله صلى الله عليه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.