دخل صديقي إلى السوبر ماركت وعند صندوق الحساب؛ فوجئ بالمحاسب يقول له: الحساب 560 ريالًا يا والد. لم يفاجأ بالرقم ولكنه استغرب كلمة يا "والد"، فقد كان يسمعها لأول مرة من رجل غريب. فهو يرى أن المحاسب رجل في الثلاثين من عمره، ولكي يصبح أبا لمثله فكان عليه أن يتزوج، هو مازال يدرس في الجامعة، وكانت أول مرة يسمعها خارج المنزل. ولكن ما إن عاد إلى البيت حتى وقف أمام المرآة، وهو يحدق في وجهه متسائلًا.. هل أصبحت عجوزًا؟ متى مرت السنون؟ فهو لا يزال أصغر من الكثير من أصدقائه، وفي أسرته كذلك. جلس يفكر فيما ذهبت 25 عامًا بعد تخرجه من الجامعة. وماذا أنجز؟ أم أنها انقضت في لمح البصر. ولا زلت أذكر عندما كنت أتمشى عندما نادني أحدهم " الكورة ياعم" طالبًا مني أن أعيدها إلى الملعب. اغلب الرجال لا يتحسسون مثل النساء عندما يخاطبهم الأصغر منهن بكلمة يا خالة، أو كما كنا نرى في الافلام المصرية القديمة عندما كانت البنت الصغيرة إذا ارادت أن تغيظ الأكبر منها فتناديها بكلمة "طنط". أغلب الرجال قد لا يتحسس من كلمة ياعم أو يا والد، ولكن عندما يسمعها لأول مرة، قد يفاجأ بأنه كبر فجأة، وأن العمر مضى في غمضة عين. ونحن صغار كنا نسمع مقولة: إن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. وكان من يقولها من الآباء أو المدرسين كان يقصد بأن لانضيع الوقت في اللعب وننسى ماعلينا من واجبات. وهو ماكان يحدث في أغلب الأوقات. فكم تذكرنا عندما نذهب إلى النوم بأن هناك واجب إنجليزي لم نحله، أو أبيات شعر لم نحفظها. العمر يمضي أسرع مما نتخيل، وبعد أن كنا نتمني أن نكبر بسرعة لكي نقود السيارة ولكي نتخرج من الجامعة ونعمل، ويصبح لنا دخل مادي مستقل، ونحقق بعض أحلامنا. أصبحنا اليوم نتمنى لو نستطيع أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء، أو أن يتوقف بنا الزمن. أصبحنا نعرف أن الاحتفال بعيد الميلاد هو احتفال بعام قد مضى، وأن اليوم الذي يذهب لا يعوض. ومنا من يلجأ إلى صبغ الشيب الذي انتشر في شعره وشنبه حتى يحس بأنه ما زال شبابًا، ولا يسمع كلمة يا والد ممن حوله من الشباب. ولكن ذلك لايوقف الزمن ولا يعيد ما ذهب من الأيام، فالوقت أشد حدة من السيف.