أحمد القرني من يرى الأمير الشاب محمد بن سلمان وهو يمضي قُدما في سبيل تحقيق رؤية 2030، يدرك أن المملكة قادمة بجدية على نهضة صادقة وقوية، وسيكون على رأس مهامها مكافحة الفساد على كافة تجلياته، لا سيما وهو القائل «لا مجال للفساد في بلادنا، وسينال المفسد عقابه كائنا من كان». في هذا المقال سأقدم مقترحا لمكافحة الفساد، وهو مقترح عملي ومأخوذ به وقد ثبتت فاعليته ونجاعته، ولا أرى حلا للفساد إلا بالعبور من خلاله. وقبل تقديمه لا بد أن نعرف كيف يترعرع الفساد دون شعور، فبذلك تفهم ديناميكيته ومن ثم توضع العراقيل للحيلولة دون ترعرعه. الفساد ظاهرة منبوذة من الجميع، وعلى ذلك لا يمكن له أن يتفشى إلا في الميادين الموبوءة المتسترة والبعيدة عن الأنظار كما يتفشى الإرهاب في الخلايا السرية. بدون تواطؤ وتكاتف وتكتم على الأسرار بين الفاسدين لا تتحقق لهم مجالات الفساد. والتواطؤ لا يتم إلا عبر (1) التعارف و(2) تبادل المصالح. التعارف ينتهي أخيرا إلى نشوء اللوبيات والشلليات، وهو ما يتسبب في رفع معدلات «الواسطات»، أما تبادل المصالح فيتمظهر في تزايد معدلات «الرشاوى». والواسطة والرشوة كلتاهما من أبرز محركات الفساد الخفية. بناء على ذلك فلا يمكن مكافحة الفساد إلا بحل هذه الأحزاب المتواطئة وتقصيص أجنحة هذه اللوبيات والشلليات المتعاونة بوضع حواجز دون نشوئها وتجذرها في المؤسسات قبل ازدهارها كقوة متحكّمة لا يسهل قهرها. نعلم جميعا بأن ثمة رؤساء ومديرين وعمداء ووكلاء في كل مؤسسة يسيطرون على كراسي الإدارة لفترة قد تتجاوز السنوات العشر، وهذه الفترة كفيلة لأن تصنع لوبيا قويا لا يقهر، ولا حل لحلّ هذه اللوبيات إلا باعتماد آلية تدويرية إجبارية تهتم بتجديد الدماء في أي مؤسسة بإجبارها على تغيير مواقع الإداريين فيها كل أربع سنوات، وذلك بصورة قسرية. سيكون هذا التجديد والتغيير الإجباري لكل فرد ذي منصب مُربكا، وسيتسبب حتما في تكسير حلقات اللوبي وتقليل فرص التعاون فيما بين أفراده، لدخول أفراد جديدة قد لا تتعاون على الفساد. ليس من شك أن المملكة تحظى بقدرات وعقليات وطاقات متميزة، ربما مورس بحقها الإقصاء والتهميش رغم أنها ذات نوايا حسنة في تطبيق آليات إدارية خاصة بها تهدف لتطوير مؤسساتها وإداراتها. ولا يعوقها عن ذلك سوى عجزها عن الوصول إلى هذا الكرسي الفعال المؤثر الذي احتكره لوبي قوي لمدة طويلة جدا وقضى من خلاله على جميع منافسيه المناهضين لفساده. ولسائل أن يسأل: كيف -برأيكم- سيصل هذا الإداري الطموح إلى هذا المنصب حتى يتمكن من تفعيل آلياته التجديدية التطويرية إذا كان من حق الرئيس والمدير والعميد والوكيل في المؤسسات الحكومية أن يُمدد له مدى الحياة كما هو ممارس في بعض المؤسسات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، بحجة كفاءته وتحت ذرائع التناغم الإداري بين الموظفين؟! أليس في التجديد فرصة لمعرفة أسباب نهوض وتدني بعض المؤسسات في الأداء والإنتاج كل أربع سنوات؟ أليس في حجة التناغم الإداري حيلة للفاسدين لتقوية هذا اللوبي الخفي الذي لا يمكن القبض عليه وكشف احتيالاته؟ على ذلك فلا حل لهذا الفساد إلا بتطبيق آلية تفرض على المؤسسات تغيير مواقع الإداريين والمسؤولين الفاعلين فيها كل أربع سنوات، حتى وإن ثبتت كفاءة المسؤول وأحقيته بالبقاء. ففي تجديده أو وضعه في منصب مغاير تجديد لأجنحة المؤسسة في أطرافها الضعيفة، وفي تغيير مكانه فرصة حتمية للكشف عن خلو المؤسسة من أي مظهر للفساد.