"داخل السور – داخل القلب"، ليس عنوانا لكتاب يوثق تفاصيل المراحل التاريخية التي سطرت ملامح "جدة القديمة"، طوال سبعة عقود متتالية، بقدر هو ما نقطة انطلاق مركزية للفن التشكيلي، الذي سيعيد صياغة تلك الذاكرة، بل ويحافظ على هويتها للأجيال القادمة. جوهر المشروع التشكيلي الجديد الذي تشرف عليه مؤسسة "جدة وأيامنا الحلوة"، أنه تأسيس التوثيق الحديث، من خلال إعادة التصوير الفني لجدة القديمة التي كانت محاطة بسورها قبل 1947، التي شكلتها حاراتها الأربع الرئيسة "الشام، المظلوم، اليمن، البحر". الرؤية الفنية يقول مدير مؤسسة "جدة وأيامنا الحلوة" منصور الزامل: سيقوم بالمهمة 9 فنانين تشكيليين من داخل وخارج المملكة أخذوا على عاتقهم تصوير المكان للجيل الجديد من السعوديين ب 450 لوحة، تم إنجاز المرحلة الأولى منها ب35 لوحة، استطاعت أن تسترد بعضا من ملامح تلك الذاكرة العتيقة، التي تعاني من عوامل الاندثار الطبيعية وعير الطبيعية. وأضاف: الرؤية الفنية التوثيقية ل"داخل السور – داخل القلب"، تقوم على أسس محددة، تتمثل في معاناة المنطقة التاريخية التي تتوسط عروس البحر الأحمر، في غياب صورتها الذهنية بأبعادها التاريخية والثقافية والحضارية، عن مفاهيم الجيل الجديد من الشباب الذي ارتبط بها من زاوية المهرجانات الموسمية لا أكثر. الزامل تطرق في حديثه إلى "الوطن" إلى تفاصيل عديدة من خلال المشروع الجديد الذي يعكف عليه بصحبة زملائه الفنانين، أهمها الحفاظ على المكونات الإنسانية والتراثية، لإحياء إرث المنطقة. يقول: الإشكالية المعرفية والفنية التي واجهها فريق "جدة وأيامنا الحلوة" تتمثل في اندثار 80% من بيوت المنطقة التاريخية بفعل عوامل طبيعية وغير طبيعية، وهو ما ذهب بنا إلى محاولة إعادة تلك التفاصيل الواردة إما من بطون الكتب من الروايات أو الدراسات التي تحدثت عنها، أو من خلال تزامن الصور التي وثقت تلك الحقب بشكل دقيق. وذهب التشكيليون إلى أبعد من ذلك من خلال استخراج الملامح العتيقة من بطون كتب المستكشفين الغربيين الذين التقطوا صورا بعدساتهم في الفترة ما بين بين 1920- 1930. مضامين التوثيق التحليل الفني لما جاء في الروايات والدراسات التاريخية عن المنطقة يتم بمنهجية محددة ويعد بذلك جزءا لا يتجزأ من تدوين ذاكرة المكان، من خلال خارطة توسعية لمضامين جدة القديمة "الداخلية والخارجية"، من أجل انعكاس فلسفتها التوثيقية في صورة عاشقي المكان الذهنية. ستتناول المضامين الخارجية "الأزقة، وبيوت جدة ورواشينها، والزوايا، والمساجد العتيقة، والحارات القديمة"، أما الداخلية فستتحدث عن رؤية شاملة لطبيعة الحياة في تلك الحقبة، من توثيق "المبيت، وبيت الماء، والطبخ والمجالس والمقاعد، والألعاب التي كانت سائدة في ذلك الوقت"، إضافة إلى مضامين أخرى ترتبط بالمعاصرة الإنسانية كاللبس التراثي في ذلك الوقت المكون من "الغبانة والعمة الحجازية". إحياء هوية وربما تشكل المنهجية الدقيقة أهم مرتكز لأصحاب المشروع، وهي بمثابة خارطة طريق للفريق التشكيلي المعني بإحياء هوية المنطقة التاريخية، على اعتبار أن الأمر لا يخضع للعشوائية أو الفردية الفنية، بل يخضع للمرحلية المخططة، والتي تشمل شرح جوهر الصورة المراد توثيقها تشكيليا للفنان من زواياها المختلفة، وهي أهم نقطة في هذا العام، لذا الاستيعاب التاريخي يسبق الريشة في هذه المرحلة. أما المرحلة الثانية من هذا العمل، فتتمثل في تنفيذ اللوحة القائم على المبدأ التخيلي المندرج تحت إطار أي مدرسة أو مذهب تشكيلي، من خلال "قلم الرصاص"، بهدف تحديد رؤية تفاصيل الملامح فنيا، ثم تأتي المرحلة الأخيرة المتمثلة في تعبئة ألوان الصورة. هناك رسالة محورية في مشروع "داخل السور – داخل القلب"، فليس الهدف منه الكسب التجاري، بقدر ما هو رؤية لما هو أبعد من ذلك، يتحدد في تسويق هوية "تاريخية جدة"، محليا وخارجيا، وهي نقطة داعمة لها بعد تسجيلها كمنطقة تاريخية لدى منظمة اليونسكو الثقافية الأممية.