وسط تقديرات ببلوغ حجم السوق العقاري في المملكة خلال السنوات الخمس المقبلة لنحو تريليوني ريال، أطلق خبراء اقتصاديون تحذيرات من أن يتسبب نظام "الرهن العقاري" في إيجاد أرض خصبة للقروض الاستهلاكية، مشيرين إلى أن فرص الاستثمار في السوق المحلية تعتبر محدودة وضيقة، مما قد ينتج عنه تضخم في أسعار السلع وخدمات القطاع. وفي تقرير مفصل استضافت فيه "الوطن" 3 خبراء اقتصاديين، حذر أحدهم من وجود بعض الثغرات في نظام الرهن العقاري تتعلق بالحصول على صك "الإجازة" لطالب القرض من مالك العقار، وسط تأكيد على أن معالجة الخلل الحاصل في السوق في الوقت الراهن تكمن في البدء بفرض رسوم تملك الأراضي، إضافة إلى رسوم الخدمات على الأراضي الواقعة في المناطق المطورة والمأهولة بالسكان والمتوافر لديها كامل الخدمات اللازمة. تفاقم الأسعار في البداية اعتبر الخبير الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية عبدالحميد العمري أن الأزمة الإسكانية في المملكة ارتكزت أسبابها الرئيسة على الارتفاعات غير المبررة في مستويات الأسعار، مبينا بأن مشكلة التمويل لم تكن إلا تابعة لهذا الأمر، مضيفا: "بكل أسف ولأن الأسباب الرئيسة في ارتفاع الأسعار بصورة تبتعد كل البعد عن محددات الأداء الاقتصادي لدينا، لم تعالج أو تواجه أدوات وإجراءات حاسمة لحلها، فقد تحولت كل خيارات التمويل وزيادتها إلى أدوات لأجل زيادة الأسعار". وشدد العمري على أن احتكار الأراضي وتفاقمه عاما بعد عام أفضى إلى نمو مستويات الأسعار خلال 6 أعوام ماضية لأكثر من 5 أضعاف نمو مستويات الدخل بالنسبة للأفراد، مؤكدا أن مسألة التمويل في ظل توافر السيولة لدى البنوك بصورة لا توجد لدى أي قطاع بنكي في العالم، ليست بذات الأهمية أو المشكلة، مشيرا إلى أن المشكلة الرئيسة تكمن في تفاقم مستويات الأسعار مقابل تدني مستويات الأجور لدى المواطنين. وفيما قدر العمري ارتفاع حجم السيولة بالقطاع العقاري خلال السنوات الخمس المقبلة بنحو تريليوني ريال، أكد أن خلق سيولة جديدة في الاقتصاد السعودي أمر "غير محمود"، مستندا في ذلك على أن مديونيات الأفراد والحكومة مجتمعة في أدنى مستوياتها. تفعيل "الرهن" وحول الرهن العقاري رأى العمري أنه في الوقت الراهن جاهز للبدء، موضحا أنه من المنتظر انتهاء كل من وزارتي البلدية والشؤون القروية والعدل من تفعيل نظام التسجيل العيني، كونه حجر الأساس لأجل بدء العمل بالرهن العقاري، وكما يتوارد من أخبار منشورة رسميا فقد لا تتجاوز المسألة أكثر من عام على أقل تقدير. من جهته توقع مدير عام شركة بصمة العقارية خالد المبيض، أن يكون الربع الأخير من العام الحالي موعدا لتطبيق نظام الرهن العقاري، مبينا أهمية التمويل بقوله: "لا شك بأن التمويل هو أحد أساسيات خلق طفرة في مجال البناء المنشودة التي يتشارك بها القطاعان الحكومي والخاص وبنفس الاتجاه والهدف". وقال المبيض إن أنظمة التمويل العقاري التي تم الإعلان عنها مؤخرا تعتبر المثبت للبنة بناء منظومة التمويل العقاري جيدة، مبينا أن الدولة تهدف من ورائها إلى خلق مناخ ملائم لدخول عدد كبير من المستثمرين في التطوير العقاري عبر توفر التمويل المناسب. أما عضو لجنة الاستثمار والأوراق المالية في الغرفة التجارية الصناعية، والخبير الاقتصادي، الدكتور عبدالله المغلوث، فقال إنه بعد صدور اللوائح التنفيذية لنظام الرهن العقاري التي أشرف عليها من قبل المؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) لم يشهد السوق أي حركة إيجابية، إضافة إلى عدم تحرك البنوك والشركات العقارية نحو عروض عقارية محفزة، أو عبر قروض شخصية ذات فائدة منافسة بغرض شراء وحدات سكنية. ركود وبين المغلوث خلال حديثه ل"الوطن" أن ركود سوق العقار يؤكد أن الإجراءات التي اتخذت لم تنعكس على أرض الواقع، لافتا إلى أن السوق يحتاج إلى مصارف أكثر مما عليه الآن، وذلك لتقديم خدمات أكثر، إضافة إلى تقديم قروض وتمويل عالي المردود. وأفاد عضو لجنة الاستثمار والأوراق المالية في الغرفة التجارية بالرياض أن السوق في الوقت الراهن يحتاج إلى مزيد من المصارف الأخرى لتقديم التمويل الكافي للسوق. وأوضح الخبير العقاري، أن هناك عدة عوامل لم تتواجد في السوق مما سبب تراجعا في منظومة الرهن العقاري منها عدم تقييم أصول عقارية، إضافة إلى عدم توفر التسجيل العيني، أو عدم تفعيل كود بناء السعودي. واقترح المغلوث إقامة ورش عمل بين مؤسسة النقد العربي السعودي، وشركات التمويل، والمواطنين، حتى يكون هناك مرونة وتكون لدى العقاريين معرفة تامة بما سوف يحدث في السوق، مشددا على أن العمل الفردي هو سبب عدم اكتمال منظومة الرهن العقاري، مشيرا إلى أن السوق لم يشهد اتفاقيات عقارية إلا قليلة جدا وباجتهاد فردي. من جانبه اعتبر المبيض أن التمويل هو العصب الأساسي لنجاح طفرة البناء والتشييد الأمر الذي بدوره سيخلق وفرة مستقبلا في المعروض من الوحدات السكنية لجميع شرائح المجتمع، إلا أنه قال إن التمويل لوحده ليس كافيا، مشيرا إلى أن الدولة قامت بإطلاق مجموعة من الأنظمة الأخرى التي تهم المرحلة المقبلة مثل تسهيل استخراج تراخيص البناء وترخيص البيع على الخريطة، مضيفا أن الحكومة توفر فرصا أمام المطورين ليس فقط في المدن الرئيسية ولكن أيضا في الضواحي والمدن الفرعية تمهيدا لجعلها وجهة جديدة لسكان المدن الرئيسة، الذي بدوره يسهم في الهجرة العكسية إليها وتخفيف الضغط على المدن الرئيسية منها ما تم مؤخرا من إنشاء جامعات ومستشفيات ومجمعات صناعية ومدن اقتصاديه فيها. حلول الإسكان وعن معالجة الخلل الحاصل في سوق الإسكان وما إذا كانت وزارة الإسكان هي التي تمتلك الحل لوحدها، أجاب عضو جمعية الاقتصاد السعودية العمري بأنها لن تكون كافية لأجل تحقيق هذا الهدف، مفيدا أن أول أدوات الحل الواجب اتخاذها في الوقت الراهن هو البدء في فرض رسوم تملك الأراضي، إضافة إلى رسوم الخدمات على الأراضي الواقعة في المناطق المطورة والمأهولة بالسكان والمتوافر لديها كامل الخدمات اللازمة، مضيفا "عدا ذلك أعتقد أننا سنكمل الدوران في الحلقة المفرغة التي ندور فيها الآن". أما خالد المبيض فقال إن الوزارة لديها مهمتان رئيستان، الأولى تتعلق بتحويل الخطط الحكومية وتوزيع التنمية السكانية بالتساوي بجميع مدن المملكة وذلك عبر وضع التشريعات لذلك وخلق المحفزات لمطوري القطاع الخاص بما يخدم تلك الخطط، أما المهمة الثانية توفير المسكن والتمويل الميسرين لذوي الدخل المحدود الذين لا يخدمهم مطورو القطاع الخاص.