يوصي الكاتب الأمريكي ستيفن كينج في كتابه «On Writing: A Memoir of the Craft» بالاطلاع على كتاب ويليام سترنك «عناصر الأسلوب» The Elements of Style لكل كاتب مبتدئ طموح. والكتاب يقدم مجموعة من القواعد والنصائح حول كيفية الكتابة بشكل صحيح. وهذه التوصية من كاتب بمكانة ستيفن كينج تستدعي التوقف والتأمل على جوانبها الفكرية والثقافية المتعددة. ما يثير الدهشة في توصية كينج أن كتاب «عناصر الأسلوب» نُشر لأول مرة عام 1918 أي قبل قرن من الزمان. ولا يزال كتاب سترنك يستخدم على نطاق واسع حتى اليوم وظل مفيدا للكُتاب والمحررين كما كان عند تأليفه قبل قرن كامل. الكاتب يحث الطلاب على الكتابة بجرأة وثقة وطموح وبأسلوب سلس حيوي وتجنب الكتابة الركيكة التي تُفقد الكتابة بريقها. ومثل هذه الكتب التعليمية لا تعجب أنصار عقيدة «اللغة كائن حي ويتطور». الكتاب يشجع على استعمال قواعد معيارية صحيحة بأسلوب بلاغي متقن ويعلمك كيف تكتب بطريقة صحيحة وواضحة، وهو في جوهره يتناول قواعد اللغة الإنجليزية وكيفية استعمالها بفعالية أكبر. الكتاب لا يعلمك قواعد النحو ولا يشرحها تفصيلا، ولكنه يراعي قواعد النحو ويبني توجيهاته الأسلوبية على جمل صحيحة نحويًا على غرار مقولة «قل ولا تقل». فهو يقدم توجيهات لغوية ويحكم على الاستعمال ويقول: هذا الاستعمال أفضل من ذاك. الكتاب إجمالا يستخدم قواعد النحو ولا يُدرّسها. ماذا يعني أن يقدم روائي غزير الإنتاج كستيفن كينج توصية بكتاب تعليمي منشور قبل قرن كامل تقريبا؟ ومدة قرن تعني مرور أجيال عديدة وتحولات اجتماعية وثقافية كبرى في مجتمع ديناميكي سريع التحولات ومتعدد الأعراق والثقافات كالمجتمع الأمريكي. ما يؤكد حقيقة لا تعجب أنصار مقولة «اللغة كائن حي ويتطور» وهي أن اللغة الفصيحة أو المستوى اللغوي الأعلى من اللغة لا يتطور ولا يرضخ للتحولات الاجتماعية. فكتاب «عناصر الأسلوب» يتعامل مع قواعد لغوية لا تتطور وظلت مستخدمة كما هي دون تغيير ملحوظ منذ قرن كامل. ظل الكتاب يقدم مادة إرشادية في طريقة الكتابة الصحيحة لكُتاب ومدققين لغويين وأدباء معاصرين، وظل مفهومًا ويحافظ على قواعد النحو والكلمات الأساسية، رغم مرور قرن كامل. ما يؤكد أن اللغة في مستواها الفصيح ذات معايير مستقرة نسبيًا، تتجاوز أبعاد الزمان والمكان، وهو ما يتحدى فكرة أن «اللغة كائن حي» ويتطور، بل يؤكد عمليًا أن المستوى الفصيح في كل لغات العالم راسخ ومستقر ولا يتأثر بالمجتمع وتحولاته ويعتمد قواعد ثابتة نسبيًا. اللغة ليست كائنًا حيًا في كل مستوياتها، وبعض مستوياتها خصوصًا الرسمية والفصيحة ثابتة عبر الأجيال؛ فالتراث يحميها ويحافظ على أسلوبها وصياغتها سواء كانت نصوصًا مقدسة أو شعرًا كلاسيكيًا أو أدبًا رفيعًا. وكلما تعمق الإنسان في دراسة اللغة وزاد اطلاعه على كتب الأدب أصبحت لديه حساسية للأخطاء اللغوية في كتابات الآخرين، وأصبح أكثر وعيًا بكيفية بناء الجملة الصحيحة والواضحة مقابل الجمل الركيكة. الاطلاع المكثف على اللغة والأدب يطور حساسية تجاه الأخطاء اللغوية والأسلوبية، ويجعله يلاحظ الأخطاء في كتابات الآخرين، وهي قاعدة تعمل تلقائيًا عند قراءة النصوص فتظهر أي خلل لغوي أو أسلوبي من الوهلة الأولى، فالإنسان بطبيعته يحب النظام والتناغم والعقل يلاحظ الفوضى الكتابية بسهولة بعد التدريب والدراسة المعمقة للغة. والحساسية تجاه الأخطاء هي نتاج تراكم معرفي ونزعة نفسية لا واعية تميل للنظام، وهي تنبع من التعلم والاطلاع الذي يزيد من وعي الإنسان وفطنته غير الواعية تجاه الأخطاء سواء كانت نحوية أو أسلوبية.