سادت قبل أيام حالة من الاستياء والتذمر بين بعض مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي - لا سيما بعض المعلمين والمعلمات - بعد إعلان نتائج اختبارات الرخصة المهنية، مرتادو منصة «إكس» أطلقوا عدة هاشتاقات استنكروا فيها نتائج الاختبار وطالبوا هيئة تقويم التعليم والتدريب بتوضيح آلية التصحيح ومعايير توزيع الدرجات في الاختبار التربوي. وعندما قرأت التعليقات وجدت أن عددا من المتقدمين أعادوا الاختبار أكثر من مرة، ومع كل محاولة واستعداد أكبر تأتي النتيجة أقل من السابقة، بمعنى يحصل في المرة الأولى على 70 وبعد الدورات والمذاكرة والجد والاجتهاد يحصل على 65. آخرون كذلك تساءلوا عن منطقية تكرار الدرجات المتقاربة لشريحة ليست بالقليلة أي أن الدرجات تقف عند حد معين لا يتجاوزه كثير من المتقدمين. في الحقيقة نعلم جميعا أن اختلاف الدرجة عند إعادة الاختبار هو أمر طبيعي فاختلاف نماذج الأسئلة وتباين مستوى الإجابات قد يؤديان إلى نتيجة أعلى أو أقل، بيد أن الإشكالية تظهر عندما يتحول هذا الانخفاض من حالات فردية إلى حالة متكررة وبنمط متشابه لعدد ليس بالقليل من المعلمين والمعلمات، دون توضيح عام يشرح ما الذي تغير في آلية التقييم. جوهر المشكلة هنا لا يرتبط بصعوبة الاختبار، بل بغياب الشفافية والوضوح حول كيفية احتساب الدرجة النهائية فالمعلم اليوم لا يعرف بشكل واضح ومحدد كيف تحسب درجته؟ وأن الانخفاض هل هو مرتبط بأدائه الفعلي فقط أم بعوامل أخرى مثل المعايرة الإحصائية أو اختلاف أوزان محاور الأسئلة؟ ويزداد الإحباط أكثر مع عدم تمكين المعلم من الاطلاع على إجابته بعد التصحيح، فالنتيجة تظهر في رقم مجرد دون أن يرى المعلم ما الذي أجاب عنه فعليا أو كيف انعكست إجابته على درجته. هذا الغموض حتى وإن كان غير مقصود يفتح باب التأويل ويضعف الثقة في الاختبار كأداة قياس عادلة، خاصة أننا نتحدث عن نسبة متقدمين سواء كانوا معلمين أو معلمات لديهم خبرة كبيرة في الميدان التعليمي تتجاوز العشرين عاما. في نظري الحلول ليست صعبة وهي موجودة في تجارب دولية عديدة من أبرزها: تمكين المتقدم من الاطلاع على إجاباته التي أدخلها بنفسه بعد التصحيح، مع بيان إذا كانت صحيحة أو خاطئة دون كشف النموذج الصحيح للأسئلة أو طريقة الحل، هذا الإجراء يعزز الاطمئنان بأن الدرجة ناتجة عن الأداء الفعلي للمتقدم، ويحافظ في الوقت ذاته على حماية بنك الأسئلة. وكذلك من الأهمية بمكان نشر المؤشرات الإحصائية بعد كل دورة اختبار مثل عدد المعلمين والمعلمات المتقدمين وتوزيع الدرجات على فئات ونسب من تجاوز حد النجاح والتفوق، هذه المؤشرات لا تكشف بيانات فردية، لكنها تساعد على فهم النتائج في سياقها العام وتفسر الظواهر الجماعية بدل تركها مجالا للتأويل والتفسير. ومن الحلول كذلك، وضع لجنة تراقب آلية التصحيح، وتراجع المعايير والإجراءات بشكل مستقل دون التدخل في الدرجات، بحيث يكون أعضاؤها من خارج هيئة التقويم من قبيل أساتذة الجامعات وفريق من هيئة نزاهة. نحن هنا لا نشكك في أي جهة بقدر ما نريد تعزيز الشفافية والوضوح بحيث نمنع تكرار التساؤلات الجماعية بحيث كل متقدم يشعر أن درجته تعكس أداءه الحقيقي في الاختبار. أخيرا أقول: إذا كانت الرخصة المهنية أداة مهمة في ضبط جودة التعليم فالأولى أن تكون مفهومة ومقنعة، وليست مجرد تقارير يقرؤها المعلم ولا يفهمها، التقييم العادل لا يقاس بصرامته بل بقدرته على أن يكون واضحا ومقبولا في الميدان التعليمي.