عاد الجدل حول عتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" كدولة مستقلة ذات سيادة، في خطوة قد تبدو للبعض هامشية، لكنها تحمل في طياتها أبعادًا جيوسياسية وأمنية واقتصادية عميقة. هذا التوجّه لا يمكن فهمه خارج سياق التحولات الإقليمية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، ولا خارج الإستراتيجية الإسرائيلية طويلة المدى في تطويق الخصوم وبناء نفوذ غير مباشر. أولًا: الموقع الجيوسياسي... مفتاح البحر الأحمر تقع أرض الصومال في نقطة شديدة الحساسية، مطلّة على خليج عدن وقريبة من مضيق باب المندب، أحد أهم شرايين التجارة العالمية. بالنسبة لإسرائيل، يمثل هذا الموقع: نقطة مراقبة إستراتيجية لحركة الملاحة، وورقة ضغط غير مباشرة على الخصوم الإقليميين، وامتدادًا طبيعيًا لإستراتيجية تأمين العمق البحري من الجنوب، إسرائيل التي تعتمد بشكل كبير على حرية الملاحة في البحر الأحمر، ترى في أي موطئ قدم في هذه المنطقة تأمينًا إستراتيجيًا طويل الأمد. ثانيًا: تطويق الخصوم وبناء طوق نفوذ غير مباشر من منظور الأمن القومي الإسرائيلي، فإن القرن الإفريقي يُعد ساحة صراع صامت بين قوى إقليمية ودولية. الاعتراف بأرض الصومال قد يحقق لإسرائيل: تقليص نفوذ قوى إقليمية منافسة، خلق شراكات مع كيانات غير تقليدية خارج الإجماع الدولي، توسيع شبكة التحالفات الهامشية التي تعتمد عليها إسرائيل تاريخيًا. هذا النهج ليس جديدًا، بل هو امتداد لما يُعرف في الفكر السياسي الإسرائيلي ب"سياسة الأطراف". ثالثًا: البعد الاستخباراتي والأمني القرن الإفريقي منطقة مفتوحة للصراعات المسلحة، والقرصنة، والتنظيمات غير النظامية. وجود علاقات رسمية أو شبه رسمية مع أرض الصومال يمنح إسرائيل: قدرة استخباراتية متقدمة، مجالًا للتعاون الأمني والتقني، منصة رصد مبكر للتهديدات القادمة من الجنوب. وهنا لا يُشترط إعلان قواعد عسكرية صريحة؛ فالنفوذ الحديث غالبًا أمني - تقني أكثر منه عسكري مباشر. رابعًا: الاقتصاد والطاقة والموانئ مع التحول العالمي في سلاسل الإمداد والطاقة، تبحث إسرائيل عن: منافذ لوجستية جديدة، فرص استثمار في الموانئ والبنية التحتية، شراكات في مشاريع طاقة مستقبلية (متجددة أو تقليدية). وأرض الصومال، رغم محدودية الاعتراف الدولي بها، تملك موقعًا يجعلها حلقة وصل محتملة بين إفريقيا والشرق الأوسط. خامسًا: كسر العزلة الدبلوماسية عبر الاعترافات المتبادلة بالنسبة لإسرائيل، الاعتراف بدولة غير معترف بها دوليًا على نطاق واسع قد يحقق معادلة سياسية مفادها: اعتراف مقابل اعتراف، ونفوذ مقابل شرعية. وهذا ينسجم مع نمط إسرائيلي سابق في بناء علاقات خارج الأطر التقليدية، خاصة في البيئات الهشة سياسيًا. الخلاصة الحديث عن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال ليس مسألة عاطفية ولا إنسانية، بل هو قرار تحكمه حسابات باردة تتعلق ب: الأمن القومي، النفوذ الإقليمي، السيطرة غير المباشرة على طرق التجارة، بناء تحالفات خارج النسق التقليدي. وفي حال تم هذا الاعتراف، فإنه سيشكّل سابقة سياسية قد تعيد رسم ملامح التوازنات في القرن الإفريقي، وتفتح الباب أمام موجة اعترافات مشروطة من قوى أخرى. كلمة أخيرة: يبقى السؤال الأهم: هل الاعتراف الإسرائيلي سيخدم استقرار المنطقة؟ أم أنه سيحوّل أرض الصومال إلى ساحة صراع نفوذ جديدة في واحدة من أكثر مناطق العالم احترابا؟