من نافذة فندق بقلب عاصمة إفريقية وقع بها انقلاب عسكري منذ عامين تقريبا، أراقب كل يوم طفلا في التاسعة من عمره وأخته البالغة المحجبة، وقد خرجوا من عشتهم التي يحيط بها عدد من البهائم، يسابقون الوقت وفي يد كل واحد منهم وعاء بلاستيكي كبير، حتى يصلوا إلى عامل الري الذي يقوم بمهامه اليومية في سقيا الحشائش بوسط الرصيف الفاصل بين الشارعين أو «الجزيرة» كما نسميها، فيعبئ لهما أوعيتهما ويساعدهما في حملها على رأسيهما لثقل وزنها، ثم يعودان مشيا بأقدام حافية لمسافة طويلة ليسكبا ذلك الماء في حافظة كبيرة يشربون منها مع البهائم ويغتسلون، ويتكرر هذا المشهد بما لا يقل عن 5 مرات يوميا. وذلك حال أغلب أقران ذلك الطفل والذين يعلقون على رقابهم أوعية بلاستيكية صغيرة طوال اليوم حتى يعبئوا الماء ويشربوا ويغتسلوا أينما وجدوه، فقد تطول المدة حتى يجدوا غيره. الغريب أن خلف عشش ذلك الطفل وأخته نهر جار على بعد 300 متر تقريبا، ومع ذلك ليست هناك إمكانيات لمعالجة المياه أو تحليتها أو جلبها ولو بمضخات بدائية رغم أنهم يسكنون في قلب العاصمة. السؤال البسيط أليس في هذه الدول الإفريقية من الثروات ما الله به عليم، وعلى مساحاتها الشاسعة أنهار وبحار تشقها وتحيط بها، فلم لا يزال هم هذا الطفل ووظيفته اليومية التي يصحى وينام لأجلها هي توفير الماء بهذه الطريقة من أنابيب الري والتي هي على كل حال غير صالحة للشرب. باختصار إنه التعصب القبلي والعرقي والطائفي، وما ينتج عنه من حب استحواذ على كل شيء دون النظر للمصلحة العامة، ليكون ذلك بيئة خصبة لمن يريد نشر التطرف والإرهاب، والذي بدوره يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، فتقع الانقلابات العسكرية والانفلات الأمني، حتى ولو كانت الحكومة الانقلابية هي للأفضل إلا أن الاستثمارات والأموال تغادر تلك الدولة وتحتاج عدة سنوات أخرى ليستقر الوضع وتبدأ تعود تدريجيا من جديد. فأتمنى المقارنة بين حياة طفل من أي أسرة من ذوي الدخل المحدود في أي طرف من أطراف مملكتنا الحبيبة وبين حياة هذا الطفل الذي هو ضحية للتطرف والإرهاب وعدم الاستقرار السياسي. فما أقوله وببساطة إننا كمواطنين ومقيمين وزوار على أرض بلادنا، بأن من لم يسهم في جهود حكومتنا الرشيدة حينما تضرب بيد من حديد على كل ما من شأنه المساس بالنسيج الاجتماعي، والذي يمس لاحقا باللحمة الوطنية، بأن هذا نوع من خيانة الوطن، فكل بلاغ أمني يكشف من يقود تحزبا أو تعنصرا من طائفة لأخرى أو من قبيلة لنظيرتها، إنما هو جزء من شكر نعمة الله أن من علينا بحكومة رشيدة جعلت أطفال الرياض وعلى بعد 400 كم من محطات تحلية الشرقية يشربون مياهها المحلاة وبالمجان، وطفل في أقاصي جيزان يبتكر مشاريع بالذكاء الاصطناعي لينافس بها طفلا آخرا في أقاصي منطقة الحدود الشمالية من خلال التعليم الإلكتروني، بينما المساس بالنسيج المجتمعي واللحمة الوطنية يجعل (وظيفة الطفل جلب الماء).