في ظل ما تشهده المملكة من تحولات نوعية نحو الرقمنة ضمن مستهدفات رؤية 2030، تتجه القطاعات الحكومية بخطى متسارعة نحو تطوير خدماتها وتسهيل إجراءاتها للمستفيدين. وقد أصبحت شعارات مثل «نحو خدمات أجمل» و«كل شيء صار إلكتروني وسهل» مألوفة في الخطاب المؤسسي. غير أن التجربة الواقعية لبعض المستفيدين لا تزال تكشف أن التحول لا يكتمل بالشكل المأمول ما لم يترافق مع جودة في التنفيذ ودقة في الإجراءات. قصة المواطن «جميل الصبر» تمثل نموذجًا لحالةٍ إنسانية وإدارية تستحق الوقوف عندها؛ فهو موظف خدم لسنوات طويلة وتقدّم بطلب التقاعد المبكر، غير أن النظام أصدر له قرار استقالةٍ بالخطأ بدلاً من القرار الصحيح، لتبدأ رحلة انتظار امتدت لأشهر، بين المراسلات الإلكترونية والمراجعات المتكررة. يفتح جميل النظام الإلكتروني فيجد الرسالة ذاتها: «تم استلام الطلب... وتحت المعالجة». ومع مرور الوقت، تتكرر الردود الرسمية: «راجع جهة عملك»، «التحديث لم يصل بعد»، في وقتٍ لا تزال بياناته نشطة في التأمينات الاجتماعية رغم صدور القرار الإداري المختلف. هذا التضارب بين الأنظمة والجهات لا يعكس فقط ثغرة فنية، بل يُبرز الحاجة إلى تعزيز التكامل والربط الإلكتروني الفعّال بين المؤسسات الحكومية، وضمان سرعة معالجة الأخطاء النظامية التي تمس حياة الموظف وحقوقه. ما يحدث مع «جميل الصبر» لا يُمثل حالة فردية بقدر ما هو جرس تنبيهٍ إداري نحو أهمية توحيد المسارات بين الموارد البشرية، والتقاعد، والتأمينات الاجتماعية، وإيجاد آلية تصحيح عاجلة للقرارات الخاطئة دون تعقيد أو تأخير. فالتحول الرقمي ليس مجرد منصات وخدمات إلكترونية، بل هو ثقافة مؤسسية تعكس قيم العدالة والشفافية والدقة في خدمة المواطن. وفي ختام المشهد، يكتب جميل الصبر في ملاحظاته: «تحسين تجربة المستفيد يبدأ بتحسين قدرة الأنظمة على الصواب، لا بصبر المتقاعد على الانتظار». ويبقى السؤال مطروحًا أمام كل جهةٍ خدمية: هل نسعى إلى زيادة الكمّ في الخدمات الإلكترونية ورفع مستوى المؤشرات، أم نرتقي بجودة الكيف في تجربة المستفيد؟