مكتبة الملك عبد العزيز العامة واحدة من الصروح الثقافية والمعرفية الرائدة في المملكة العربية السعودية، تأسست في 27 مارس 1985 (5 رجب 1405ه)، وافتُتحت رسميًا في 27 فبراير 1987م (10 رجب 1408ه) لتكون منارة علم، ومركزًا لحفظ التراث، وجسرًا يصل الماضي بالحاضر. منذ تأسيسها، حملت المكتبة رسالة تتجاوز جمع الكتب إلى صناعة المعرفة، فاحتضنت آلاف العناوين والمخطوطات والوثائق النادرة، وفتحت أبوابها للباحثين والدارسين والمترجمين، وللمهتمين بتاريخ الوطن وتراثه الإسلامي والعربي. وتضم المكتبة مجموعات قيّمة من المراجع التاريخية والعلوم والآداب، وتشكل مرجعًا ثريًا لكل من يبحث عن معرفة دقيقة أو وثيقة نادرة. أثناء إحدى زياراتي للمكتبة باحثًا عن مصادر ومراجع تاريخية وأدبية، وجدتني أمام عالم مختلف؛ رفوف عابقة برائحة الورق القديم، ومخطوطات تسحر العين قبل العقل. قضيت ساعات بين أروقتها، أتنقل بين الكتب وأدوّن ملاحظاتي في مذكرتي الشخصية، أستعيد التاريخ من بين السطور، وأشعر أنني أمام ذاكرة حيّة لا تزال تنبض بالمعرفة. كانت تلك الزيارة أكثر من جلسة بحث، كانت رحلة روح وفكر واكتشاف. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المكتبة في التصنيف والتحقيق والفهرسة، فإن الكم الهائل من الكنوز المعرفية الموجودة فيها يستدعي المزيد من مشاريع التحقيق والرقمنة، حتى تصل هذه النفائس للباحثين بسهولة أكبر، وتُسهم في رفد الحركة البحثية والنهضة المعرفية في المملكة. مكتبة الملك عبد العزيز العامة ليست مجرد مكان تُحفظ فيه الكتب؛ بل هي أيقونة وعي، تشهد على رؤية ملكٍ آمن بأن الاستثمار في المعرفة هو الاستثمار الحقيقي، وأن العلم هو صدقة جارية تمتد عبر الزمن. تبقى هذه المكتبة ملتقى الباحثين، وذاكرة وطنٍ تُسجّل سير الناس والأحداث، وتُؤرخ لنهضة المملكة وحضارتها، وتؤكد أن بناء الإنسان يبدأ من كلمة... ومن كتاب.