تتجه الأنظار مجددًا إلى قطاع غزة بعدما شهد الجنوب الفلسطيني توترًا ميدانيًا متصاعدًا بين إسرائيل وحركة حماس، في أول خرق واسع لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ قبل أسابيع فقط بوساطة أمريكية ومصرية وقطرية. حيث شنّ الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات جوية ومدفعية استهدفت مواقع في رفح وخان يونس، قال إنها جاءت ردًا على إطلاق نار من قبل مسلحين تابعين لحماس، استخدموا قذائف «آر بي جي» ضد قوات إسرائيلية على الخط الفاصل. بينما أكدت حماس أنّ الضربات تمثل «عدوانًا جديدًا» ومحاولة لتقويض جهود تثبيت التهدئة. وبحسب مصادر ميدانية، أدت الغارات إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، وأضرار واسعة في البنية التحتية المدنية، بينما أُعلن عن إغلاق معبر رفح بشكل مؤقت أمام حركة الشاحنات والإمدادات الإنسانية. اجتماعات طارئة وعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعًا طارئًا مع قادة الأجهزة الأمنية لبحث الموقف، وأصدر تعليماته بالرد «على أي انتهاك من جانب حماس»، مؤكدًا أن إسرائيل «لن تسمح بتحويل الهدنة إلى غطاء لعمليات إرهابية». في المقابل، حذّرت حماس عبر بيان لمكتبها السياسي من أنّ «استمرار الاستفزازات الإسرائيلية سيعيد الأمور إلى المربع الأول»، وحمّلت تل أبيب المسؤولية الكاملة عن أي تصعيد. وأفادت مصادر فلسطينية أن الجيش الإسرائيلي دفع بتعزيزات إلى محيط خان يونس ورفح، فيما وُضعت بطاريات القبة الحديدية في حالة تأهب خشية تجدد إطلاق الصواريخ. مؤشرات تآكل الهدنة ويُعد هذا التصعيد أول اختبار حقيقي لوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بعد أكثر من عامين من الحرب المدمرة التي خلّفت آلاف الضحايا في غزة ودمرت معظم بناها التحتية. ويرى مراقبون أن هشاشة الاتفاق كانت واضحة منذ البداية، إذ لم يتضمن آلية رقابة دولية فاعلة ولا جدولًا زمنيًا واضحًا لتنفيذ البنود الإنسانية، مما جعل كل طرف يفسر الاتفاق بما يخدم مصالحه. والولايات المتحدة التي رعت التفاهم الأخير دعت الطرفين إلى «الالتزام بضبط النفس»، فيما نقلت مصادر دبلوماسية أنّ الوسيط القطري يجري اتصالات مكثفة لإعادة الهدوء، في ظل قلق متزايد من أن يؤدي استمرار التوتر إلى انهيار كامل للهدنة. الأمل والخذلان وفي الجانب الإنساني، يعيش سكان القطاع حالة من القلق والترقب. فقد توقف معظم قوافل المساعدات، بينما أُغلقت الطرق المؤدية إلى رفح. وقال مسؤول أممي إن «أي تصعيد جديد يعني كارثة إنسانية فورية، لأن البنية التحتية في غزة لا تحتمل المزيد من الدمار». ورغم أنّ الهدنة أعادت شيئًا من الحركة التجارية عبر المعابر خلال الأسابيع الماضية، إلا أن كثيرين يرون أن «السلام المؤقت لا يكفي»، وأن غياب رؤية سياسية حقيقية يجعل أي اتفاق هشًّا وقابلًا للانفجار في أي لحظة. تحليل الخبراء ويرى بعض الخبراء بأن كلاً من إسرائيل وحماس يتعامل مع الهدنة كتكتيك مؤقت لا كخيار إستراتيجي. فإسرائيل تسعى لترميم وضعها الداخلي وتحسين صورتها أمام الرأي العام، بينما تعتبر حماس أن أي تنازل دون رفع كامل للحصار انتكاسة سياسية. كما أنّ الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بين وزارتي الدفاع والأمن القومي حول طبيعة الرد على خروقات غزة تضعف الموقف الموحد، وتزيد من احتمالات التصعيد غير المنضبط. وأن استمرار الهدنة مرهون بتسوية ثلاث ملفات أساسية: ضمان الأمن الحدودي، وتدفق المساعدات، وإعادة الإعمار تحت إشراف دولي. وأن أي إخفاق في أحد هذه المحاور سيعيد المواجهة إلى الواجهة سريعًا. أبرز نقاط الخلاف الحالية التي تهدد الهدنة: الملف الأمني: إسرائيل تصر على مراقبة الأنفاق والأنشطة المسلحة داخل غزة، بينما ترفض حماس أي وجود أو رقابة إسرائيلية داخل القطاع. المعابر والمساعدات: ترفض إسرائيل فتح المعابر بشكل دائم، فيما تعتبر حماس استمرار الإغلاق خرقًا للاتفاق. ملف الأسرى والمفقودين: ترفض حماس تسليم أي معلومات إضافية قبل التزام إسرائيل ببنود إنسانية متعلقة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. الوساطة الدولية: غياب آلية ملزمة لمراقبة التنفيذ يجعل الهدنة رهينة حسن النية. العمليات الميدانية الأخيرة: الغارات الإسرائيلية الأخيرة واشتباكات رفح تعدان أول خرق واسع منذ توقيع الاتفاق.