كثيرًا ما تعترضنا في يومياتنا مواقف وأحداث مختلفة قد تكون عادية روتينية، وقد تكون مفاجِئة بالنسبة إلينا أو مؤلمة أحيانًا؛ لارتباطها بضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، ما يبقيها عالقة في أذهاننا طويلًا، قد تتحول هذه المواقف إلى كوابيس تلاحقنا بين الحين والآخر، بل وتؤرق مضاجعنا كلما أوينا إلى الفراش في شكل من أشكال الندم وعدم الرضا عن الذات، لمجرد أننا أخفقنا في أداء عمل أو واجب معين، أو تعرضنا إلى انتقاد أو تجريح من الآخرين، لتبدأ محاسبتنا لأنفسنا، ويسترسل الحوار الداخلي في أعماق أنفسنا: لو فعلت كذا لما حدث كذا، لو أجبت في الوقت المحدد لما حصل لي هذا الأمر، لو استعددت أكثر لتفاديت كثيرا من المشكلات، وهكذا الحوارات التي لا تفضي إلى شيء سوى أنها تعمق سلبيتنا تجاه أنفسنا وتدخلنا في دوامة من التردد وعدم الثقة بالنفس. إن هذه العملية المُرهقة للنفس لا يمكنها أن تسهم في حل أي مشكل يعترضنا أو التخفيف من حدة الألم والامتعاض نتيجة جلدنا لذاتنا وعدم رضانا عنها بين الحين والآخر، بل قد تزيد الطين بلَّة بإضعاف شخصيتنا وباستنزاف وقتنا وإجهاد تفكيرنا، وقد يمتد تأثيرها إلى الدخول في حالات نفسية نحن في غنى عنها كالاكتئاب والعزلة النفسية والانطواء. ثم إننا بشر نصيب مرة ونخطئ مرات، ننجح مرة ونخفق مرات، نُحب ونكره، نَفقد ونُفتقد، نلتقي ونفترق، نُدبر ويُدبر لنا، كل ذلك يحدث في مدرسة الحياة الكبرى، وما علينا فيها سوى أن نعيشها كما هي بحلوها ومرِّها، وأن نستفيد من دروسها ونتعلم من أخطائها. لن نكون -عزيزي القارئ- أفضل حالًا من أنبياء الله ورسله الكرام؛ فها هو سيدنا يونس -عليه السلام- يقبع في بطن الحوت لمدة غير معلومة، بعد أن ترك دعوة قومه إلى طاعة الله -عز وجل- دون أمر من الله، وذلك بعدما يئس من دعوتهم مرارًا وتكرارًا وتعنتهم في ضلالتهم، لولا أن استدرك الأمر واستغفر الله رب العالمين، ومن ثَم فالخطأ وارد والذكريات المؤلمة واردة ومتكررة أيضًا، فما علينا سوى ألَّا نقف عند هذه الأخطاء والذكريات وقفة العاجز المُؤمِّل تغير الأحوال من تلقاء نفسها، بل لا بد من أن نسعى إلى تغيير واقعنا إلى أفضل حال، وأن نتوقف حالًا عن إلقاء اللوم على أنفسنا وتحميلها أثقالًا لا طاقة لها بها، ثم إننا حتى لو أخطأنا ألسنا كلنا خطَّائين وخير الخطائين التَّوابون.