في كل عام ومع إشراقة يوم الوطن تتزين الشوارع بالرايات الخضراء، وتعلو الأناشيد الوطنية في كل مكان، لكن خلف مظاهر الاحتفال تقف أعمق قصة وطن، جعل من صحة الإنسان مواطناً كان أو مقيماً أولوية لا يتنازل عنها. فمنذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي وضع لبنة هذا الوطن، مروراً بأبنائه الملوك البررة -رحمهم الله-، الذين واصلوا المسيرة، وحتى رؤية المملكة 2030 بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله-، ظل الاهتمام بصحة الإنسان هو محور التنمية وهدفها الأسمى. لقد قطعت المملكة شوطاً هائلاً في تطوير خدماتها الصحية خلال العقود الماضية. واليوم بحسب آخر الإحصائيات المنشورة أخيراً، تقف الأرقام شاهداً على حجم ما تحقق. ارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة إلى نحو 79 سنة، بل تجاوز 83 سنة في بعض المناطق مثل حائل، وهو إنجاز لم يكن ممكناً لولا الاستثمار المستمر في البنية التحتية الصحية والوقائية. كما توسعت خدمات الرعاية الصحية الأولية لتشمل آلاف المراكز المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، منها أكثر من 400 مركز في منطقة الرياض وحدها، تقدم خدمات متكاملة من التطعيمات إلى متابعة الأمراض المزمنة، في خطوة تعكس التزام الدولة بجعل الرعاية الصحية الأولية خط الدفاع الأول عن صحة المجتمع. ولم يكن التحول الصحي مجرد توسع في المباني والكوادر، بل شمل ثورة رقمية غيرت تجربة المريض بالكامل. اليوم يستطيع المواطن والمقيم حجز مواعيده، واستلام نتائج فحوصاته، وحتى متابعة حالته الصحية عبر تطبيقات موحدة، مثل تطبيق صحتي، ما جعل الحصول والوصول للخدمة أكثر سهولة وكفاءة، وخفف من الضغط على المرافق الصحية. هذه الخطوات تعكس روح رؤية 2030 التي جعلت التحول الرقمي محوراً أساسياً لتطوير القطاع الصحي. أما على صعيد الطوارئ والإنقاذ، فقد شهدت المملكة نقلة نوعية في خدمات الإسعاف. أسطول سيارات الهلال الأحمر السعودي يغطي كل المناطق، وينقل مئات الآلاف من الحالات سنوياً، منها عشرات الآلاف من إصابات الحوادث المرورية. كما تم إنشاء مراكز متخصصة في الإصابات والحوادث، مما ساهم في خفض نسب الوفيات وإنقاذ الأرواح في أوقات قياسية. وعلى الجانب الاقتصادي فقد ارتفعت ميزانية وزارة الصحة إلى أكثر من 128 مليار ريال في عام 2024، أي ما يزيد على 11 % من إجمالي الميزانية العامة للدولة، وهو مؤشر واضح على حجم الاهتمام الموجه لقطاع الصحة. كما تعززت الشراكة مع القطاع الخاص الذي يملك اليوم أكثر من 166 مستشفى خاصاً وأكثر من 20 ألف سرير والذي بدوره ساعد في رفع الطاقة الاستيعابية وتخفيف العبء على المرافق الصحية الحكومية. ومع كل هذا التقدم يظل التركيز منصباً على ثقافة الوقاية وتعزيز وعي المجتمع. برامج التثقيف الصحي، والوقاية من الأمراض المزمنة، وحملات التوعية بالصحة النفسية، كلها أصبحت جزءاً من الثقافة العامة لتجعل الفرد شريكاً فاعلاً في حماية صحته لا مجرد متلق للخدمة. الاحتفال باليوم الوطني إذن ليس فقط استذكاراً للماضي المجيد، بل هو لحظة فخر بما تحقق من إنجازات على أرض الواقع. فكل مستشفى حديث، وكل مركز تخصصي، وكل منصة رقمية هي تجسيد لشعار اليوم الوطني "عزنا بطبعنا"، وعزنا برؤيتنا. عز الوطن يظهر في اعتزازه بصحة إنسانه، وفي إصراره على أن تكون جودة الحياة حقاً للجميع مواطنين ومقيمين، بل وحتى لزواره. وفي هذا اليوم التاريخي المجيد، يتجدد العهد بأن تظل صحة الإنسان في مقدمة أولويات الوطن، وأن تستمر مسيرة التطوير والابتكار حتى تكون المملكة نموذجاً عالمياً في جودة الحياة والرعاية الصحية الشاملة، فنزداد عزاً بثقافتنا وقوة برؤيتنا واعتزازاً بما تحقق من منجزات ترفع مكانة الوطن بين الأمم.