اكتسبت ترجمات القرآن الكريم من العربية الأصل مباشرة للروسية مكانة كبرى من قبل المترجمين الروس بعد أن كانت الترجمات المبكرة تتم من خلال لغات أوروبية وسيطة. وكانت أول ترجمة كاملة للقرآن في 1716 في عهد القيصر بطرس الأول عن طريق الفرنسية، وازدادت بعد ذلك الترجمات خصوصاً بعد الإقبال عليها ومع نمو حركة الاستشراق وازدياد عدد المستشرقين، ولا ننسى أن ما يميز الأدب الروسي هو واقعيته وعمقه الإنساني واقترابه من مشكلات الإنسان البسيط وانحيازه للضعفاء والمقهورين، ويعد شاعر روسيا الكبير (بوشكين) في مقدمة من تأثروا بما في القرآن من أفكار بطولية تدعو للشجاعة والنضال المنكر للذات خصوصا أنها وافقت الفترة التي سبقت حركة الديسمبريين الثورية، وتأثر بما فيه من معان وقيم أخلاقية كالإيمان بالبعث وعفة المرأة ومعاني الوفاء والدعوة بالموعظة الحسنة وتذكر الآخرة ودلائل القدرة الإلهية والدعوة للصدقة والتكافل. وكما كان للقرآن تأثير كبير من قيم أخلاقية وإيمان وروح البطولة الملهمة في تكوين وفكر بوشكين - الذي تأثر بالعربية والإسلامية بسبب ثقافته الغزيرة والمتنوعة وتعرفه عليها من خلال إنتاج الأدباء الأوروبيين كفولتير ومونتيسسكو - وعلى رواد الحركة الوطنية الروسية في مطلع القرن 19م فقد تأثر بالسيرة النبوية وكتب فيها قصائد، وأعجب كذلك الشاعر الكبير (ليرمونتوف) بسيرة الرسول والوحي وكتب قصيدته "الرسول" وصور فيها مرحلة الهجرة وإيذاء المشركين للرسول وصبره على الدعوة، وعبر عن العلاقة الروحية التي تربطه بالإسلام في قصيدة أخرى وصرح برغبته في السفر إلى مكة. وتأثر من بعدهم بالقرآن والسيرة أجيال من عمالقة الأدب الروسي مثل ديستويفسكي وتشيخوف وأديب نوبل (إيفان) في كثير من قصائده، والروائي والمفكر الكبير تولستوي الذي له تأثير في الثقافة العربية وأشاد به وتأثر به كثير من الأدباء العرب وبعضهم رثاه بعد موته كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم. مكانة الإسلام من بين الأديان كانت قد أثرت واستحوذت على أديب روسيا الكبير تولستوي حيث أقبل على دراسته واستأثرت معاني القرآن والسنة على اهتمامه حيث احتوت مكتبته الشخصية على بعض المراجع والشروحات والتفاسير عن الإسلام، وكانت أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، هي ترجمة لأفكاره وقريبة جدا لما كان يؤمن به ويعتقد ويدعو فعرف بالإسلام، وتناول سيرة الرسول وترجم وراجع وقدم لأحاديث منتقاة من أحاديث الرسول وضمنها في كتيب بعنوان (أحاديث مأثورة لمحمد) واقتبس كثيرا من الأحاديث والقيم القرآنية التي تعزز أفكاره وتأملاته في آخر حياته في كتبه مثل (طريق الحياة). ختاما فإن من المهم هو ألا ننسى الدور الكبير الذي قام به (بوشكين) في تأسيس اللغة الأدبية الروسية الحديثة والتي سار عليها عمالقة الأدب الروسي مثل (تولستوي) حيث تمكن إنتاجه من جعل الأدب مرآة للواقع الاجتماعي وقوة روحية رائدة في حياة الروس والمشبعة بالمضمون الاجتماعي الواقعي، وأرسى (بوشكين) كذلك أسس اللغة الروسية الحديثة وقرب الفجوة الفاصلة بين اللغة الأدبية المكتوبة وبين لغة الشعب الدارجة حيث كانت المؤلفات تكتب باللغة السلافية الكنائسية المنفصلة عن اللغة الروسية الحية فبدأ تقريب لغة الكتب من لغة الحياة العامة منذ عهد (لومونوسوف) ق 18.