حققت المملكة العربية السعودية خطوات رائدة في مكافحة الفساد، عبر تطوير نظام مكافحة الرشوة، وتعزيز دور هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة)، وإلزام الشركات المدرجة في السوق المالية بلوائح الحوكمة. وقد انعكست هذه الإصلاحات على ثقة المستثمرين، وأسهمت في تحسين موقع المملكة على مؤشرات الشفافية الدولية، بما ينسجم مع رؤية 2030 وركيزتها «اقتصاد مزدهر». ومع ذلك، يبقى القطاع الخاص بحاجة إلى إطار قانوني متخصص يرسخ النزاهة في معاملاته ويواكب التحولات الاقتصادية الكبرى. فالمملكة تسعى إلى رفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40% إلى 65% بحلول عام 2030، وهو هدف طموح يتطلب بيئة أعمال نزيهة وشفافة، تحمي المنافسة العادلة وتكافئ الشركات الملتزمة. القوانين الدولية قدمت نماذج مهمة يمكن الاستفادة منها، أبرزها: • قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة الأمريكي (FCPA – 1977): يجرم دفع الرشاوى لمسؤولين أجانب لحماية نزاهة الشركات الأمريكية في الأسواق العالمية. • قانون مكافحة الرشوة البريطاني (UK Bribery Act – 2010): الأكثر شمولية عالميًا، إذ يجرم الرشوة في القطاعين العام والخاص، ويُلزم الشركات بأنظمة امتثال داخلية صارمة، مع تحميل مجالس الإدارات المسؤولية المباشرة. • قانون سابان الفرنسي (Sapin II – 2016): يفرض على الشركات الكبرى برامج امتثال شاملة لمكافحة الفساد ويغطي القطاع الخاص بوضوح. • اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD – 1997): تركز على منع الشركات متعددة الجنسيات من دفع الرشاوى خارج بلدانها الأصلية حمايةً للتجارة الدولية. في المقابل، ما زالت عدة دول كبرى من مجموعة العشرين تفتقر إلى قوانين متخصصة تستهدف الفساد في القطاع الخاص بشكل مباشر، مثل: الصين، الهند، روسيا، تركيا، الأرجنتين، إندونيسيا، والمكسيك، حيث تركز تشريعاتها الحالية على القطاع العام. والأمر ذاته ينطبق على معظم دول الخليج العربي ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعتمد على أنظمة عامة لمكافحة الفساد دون وجود قوانين مستقلة للقطاع الخاص. من هنا، يمكن للمملكة أن تكون السّبّاقة إقليميًا وعالميًا، عبر إصدار قانون سعودي متخصص لمكافحة الفساد في القطاع الخاص، يتضمن سياسات إلزامية للامتثال، مسؤوليات مباشرة لمجالس الإدارات، تقارير سنوية عن جهود مكافحة الفساد، وحوافز للشركات الملتزمة. تبني هذا التشريع لن يعزز فقط نزاهة بيئة الأعمال، بل سيجعل المملكة نموذجًا يحتذى به داخل مجموعة العشرين ومنطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويسهم بشكل مباشر في تحقيق هدف رفع مساهمة القطاع الخاص من 40% إلى 65% من الناتج المحلي، بما يتسق مع رؤية 2030 نحو اقتصاد مزدهر، ومجتمع حيوي، ووطن طموح. * أستاذ المحاسبة المساعد بجامعة جازان