تواجه الولاياتالمتحدة تحديات متزايدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تفرض قضية تايوان من جهة، والتحالفات الإقليمية مثل علاقتها مع تايلاند من جهة أخرى، خيارات إستراتيجية دقيقة. وبينما تُستبعد الحرب مع الصين حول تايوان، لأسباب سياسية واقتصادية، يظل تعزيز التحالفات مع شركاء إقليميين أولوية ملحّة لواشنطن في ظل صعود النفوذ الصيني. سيناريو غير مرجح تشير معطيات السياسة الأمريكية إلى أن خيار الحرب المباشرة مع الصين بشأن تايوان غير وارد إستراتيجيًا، فالكلفة المالية والعسكرية باهظة، ولا تتناسب مع أولويات واشنطن. وقد برز ذلك أخيرًا في رفض الرئيس دونالد ترمب استقبال رئيس تايوان، لاي تشينغ تي، إلى جانب إلغاء اجتماع دفاعي ثنائي، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة إلى إدراك أن تسويات التجارة والاقتصاد مع بكين أهم من أي تدخل في مستقبل العلاقات بين الصينوتايوان. اتفاقيات تاريخية يستند الموقف الأمريكي الراهن إلى سلسلة من الاتفاقيات التاريخية مع بكين، حيث نصّ بيان شنغهاي عام 1972 على اعتراف واشنطن بمبدأ «الصين الواحدة»، وأكد أن تايوان جزء منها، ثم عزّز البيان المشترك لعام 1978 هذا الاعتراف عبر إقرار الحكومة الصينية كحكومة شرعية وحيدة. وفي عام 1982، حددت الولاياتالمتحدةوالصين ضوابط لمبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان، بحيث تظل محدودة وبعيدة عن الإخلال بتوازن القوى. هذه الخلفية تُظهر أن أي تحرك عسكري أمريكي مباشر سيُعد خرقًا لهذه التفاهمات، وهو ما تسعى واشنطن لتفاديه. الاعتبارات الاقتصادية والأمنية لا يقتصر السبب على الجانب السياسي فحسب، بل يمتد إلى الاقتصاد العالمي الذي يرتبط بشكل وثيق بالعلاقات بين واشنطنوبكين، فالصين شريك تجاري رئيسي، وأي مواجهة عسكرية ستعصف بالأسواق العالمية وسلاسل الإمداد. ومن ثمّ، تُرجّح الولاياتالمتحدة كفة التسوية السلمية، وتبقي على مبيعات أسلحة محدودة لتايوان كأداة ردع، دون الدخول في مواجهة مفتوحة. الحليف الإقليمي المهم في مقابل استبعاد سيناريو الحرب مع الصين، تولي واشنطن أهمية متزايدة لتعزيز تحالفاتها في جنوب شرق آسيا، وعلى رأسها مع تايلاند، حيث أظهرت الاشتباكات الأخيرة بين تايلاندوكمبوديا، التي تخللها تبادل نيران المدفعية وغارات جوية خلّفت عشرات القتلى ونزوح الآلاف، أهمية الدور الأمريكي في دعم بانكوك. وقد تدخل ترمب حينها للمساعدة في التوصل إلى وقف إطلاق النار، ما أكد التزام الولاياتالمتحدة بأمن المنطقة. النفوذ الصيني في كمبوديا تعتبر المواجهات بين تايلاندوكمبوديا مؤشرًا على تنافس أوسع، حيث ترتبط كمبوديا بعلاقات أمنية وثيقة مع الصين، من بينها تطوير قاعدة ريام البحرية التي تمنح بكين منفذًا إستراتيجيًا على خليج تايلاند. هذا النفوذ يثير قلق واشنطن، التي ترى في تحالفها مع بانكوك وسيلة موازنة لمصالحها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. أولويات واشنطن الإستراتيجية يعكس الموقف الأمريكي مزيجًا من الحذر والبراغماتية: فمن جهة، لا ترغب في الانخراط بحرب مع الصين حول تايوان، إدراكًا لتداعياتها الاقتصادية والسياسية. ومن جهة أخرى، تدرك أهمية تعزيز تحالفاتها الإقليمية، مثل علاقتها مع تايلاند، لمواجهة التمدد الصيني في جنوب شرق آسيا. هذا التوازن بين تجنب التصعيد العسكري والحفاظ على شبكة تحالفات متينة يُعدّ محور الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة.من ق