- الرأي - خلود النبهان - جازان : من جدائل الألوان تنسج إلهام أبوطالب حكايتها، فنانة جعلت من ريشتها مرآة للهوية وذاكرة للمكان. لوحاتها ليست مشاهد عابرة، بل رسائل صادقة تستمد روحها من طفولة جازانية دافئة وتجارب إنسانية عميقة، لتبقى قريبة من الوجدان قبل العين. ومن هنا ، وقفت "صحيفة الرأي" على التجربة الفنية والإنسانية للفنانة التشكيلية إلهام أبوطالب، لتفتح معها حوارًا صريحًا حول بداياتها، ومسيرتها، ورؤيتها لمستقبل الفن التشكيلي النسائي في السعودية. في البداية، من هي إلهام الشريف الإنسانة والفنانة؟ وكيف تختصرين مسيرتك للقارئ في بضع كلمات؟ إلهام أبوطالب، إنسانة تحمل بين قلبها حبًا كبيرًا للفن والجمال، وشغوفة بتوثيق التراث والهوية السعودية عبر الريشة والألوان. أنا فنانة تشكيلية أؤمن أن اللوحة ليست مجرد ألوان على قماش، بل رسالة وحكاية تعكس مشاعري وتجارب حياتي، وأطمح أن يلامس فني وجدان الآخرين وينقل لهم طاقة من الإلهام والأمل." كيف ساهمت تجربة الطفولة في اللعب بطين الوادي في تشكيل بداياتك الفنية، وما الأثر الذي تركته على أسلوبك لاحقًا؟ مسيرتي هي رحلة شغف بين الألوان، بدأت من حب بسيط للرسم حتى أصبحت وسيلتي للتعبير عن نفسي وحفظ التراث بروح معاصرة. طفولتي في الوادي كانت بداية الحكاية، حين كنت ألعب بالطين وأشكّل منه مجسمات بسيطة. ذلك اللعب العفوي زرع في داخلي حب التشكيل والاكتشاف، وجعل يدي تعتاد على الإبداع من أبسط المواد. لاحقًا، انعكس هذا على أسلوبي الفني، فصرت أميل إلى استلهام الطبيعة والبيئة من حولي، وأبحث دائمًا عن الأصالة والبساطة في عملي، لأجعل اللوحة قريبة من الروح مثلما كان الطين قريبًا من طفولتي." كيف أثر التنقل بين الواقعية والتجريد والتعبيرية في تطور رؤيتك الفنية ومحتوى أعمالك ؟ تنقلي بين الواقعية والتجريد والتعبيرية منحني حرية أوسع في التعبير. الواقعية علمتني الدقة والملاحظة العميقة، بينما فتح لي التجريد أبواب الرمزية والخيال، أما التعبيرية فأتاحت لي التعبير عن مشاعري الداخلية بجرأة وصدق. هذا التنوع كوّن هويتي الفنية، فصارت أعمالي تحمل مزيجًا بين الملموس والخيالي، وبين التراث والذات، لتمنح المشاهد تجربة بصرية وروحية متعددة الأبعاد. ما أبرز اللحظات أو القصص التي أثرت في اختيارك لموضوعات لوحاتك من التراث الجازاني إلى الذات الشخصية؟ أبرز ما أثّر في موضوعاتي هو ارتباطي العاطفي بجازان، بألوانها وروائحها وموروثها الغني. طفولتي بين تفاصيل البيوت القديمة، أهازيج الأفراح، وزخارف الملابس الشعبية ألهمتني أن أجعل التراث مادة أساسية في لوحاتي. وفي المقابل، مروري بتجارب إنسانية وشخصية دفعني إلى التعبير عن ذاتي بمزيج من التجريد والتعبيرية، لأصنع لوحة تحمل حكاية المكان والإنسان معًا. كيف كان دور عملك مع ذوي الإعاقة السمعية في تشكيل رؤيتك الفنية ومفهوم الإبداع لديك؟ العمل مع ذوي الإعاقة السمعية منحني تجربة إنسانية عميقة غيّرت نظرتي للفن والإبداع. اكتشفت أن الفن لغة كونية لا تحتاج إلى صوت لتُفهم، بل تُترجم بالمشاعر والألوان. هؤلاء الأبطال ألهموني أن أبحث عن طرق جديدة للتعبير، وأن أجعل أعمالي أكثر صدقًا وبساطة لتصل إلى القلب مباشرة. هذه التجربة عمّقت قناعتي بأن الإبداع ليس مجرد تقنية، بل قدرة على التواصل مع الآخر مهما اختلفت وسيلة التعبير. مع امتلاكك مشاريع قادمة مثل المعرض الشخصي والكتاب، كيف توازنين بين الإبداع الشخصي والبعد التربوي أو الورشي؟ أرى أن الإبداع الشخصي والبعد التربوي ليسا خطين متوازيين بل مكملان لبعضهما. في لوحاتي ومعارضي أعيش لحظات التعبير الذاتي بكل حرية، بينما في الورش والجانب التربوي أجد متعة مشاركة هذا الشغف مع الآخرين ونقل خبرتي لهم. الكتاب ومعرضي القادم هما ثمرة هذا التوازن؛ أحدهما يوثق رحلتي الخاصة، والآخر يفتح نافذة للآخرين ليعيشوا هذه التجربة معي. بهذا الشكل أحقق معادلة تجمع بين ذاتي كفنانة، ورسالة أوسع كمدربة وملهمة. ما رؤيتك لمستقبل الفن التشكيلي النسائي في السعودية، وكيف ترغبين في الإسهام فيه من خلال تجاربك الأكاديمية والفنية ؟ الفن التشكيلي النسائي في السعودية يشهد ازدهارًا ملحوظًا، وأرى أن المرأة السعودية اليوم أصبحت قوة فنية مبدعة تسهم في تشكيل المشهد الثقافي. من خلال تجاربي الفنية، وأسلوبي المستوحى من التراث الجازاني والبيئة المحيطة، أسعى للإسهام في هذا التطور بعدة طرق: تعزيز الهوية الثقافية من خلال أعمالي. نقل شغفي للفن عبر الورش والفعاليات. مشروعي القادم مع الكاتب والفنان التشكيلي أحمد فلمبان، وهو كتاب سيرتي الفنية، لتوثيق رحلتي ومشاركة تجربتي مع الآخرين. أؤمن بأن الدمج بين الفن التقليدي والمعاصر يتيح للفن النسائي السعودي التميز محليًا وعالميًا. ختامًا : رحلة إلهام أبوطالب مع الألوان ليست سوى مرآة لرحلة الإنسان مع ذاته وهويته. بين أصالة التراث وجسارة التجريب، صنعت عالماً بصريًا يختصر الحب والانتماء والإلهام، لتبقى أعمالها شهادة حيّة على أن الفن الحقيقي لا يشيخ، بل يظل نافذة مفتوحة على الأمل. ‹ › ×