هذه الدراسة لا تدعي أنها أتت بما لم يستطعه الأوائل، وإن لم يكن هناك في واقع الأمر ثمة أوائل، ولكنها ربما تجرؤ على القولوبالتواضع كله: إنها طرحت فكرا ومنهجا جديدًا لمعالجة موضوع لميسبق أن تصدت له أقلام الدارسين والباحثين والمفكرين سواء كانوا سعوديين أم عربا أم أجانب بهذا الشكل المتكامل، وبهذه الصورةالشاملة؛ وذلك حرصا على استمرار ما دأبت «سلسلة دراساتسياسية سعودية» على طرحه من قضايا تتعلق بالسياسة الخارجيةالسعودية برؤى مبتكرة، وأساليب ومناهج غير مسبوقة، هكذا وصف الدكتور نزار عبيد مدني مؤلفه الجديد "المصالح الوطنية السعودية،دراسة في مفهوم المصلحة الوطنية من التنظير إلى التطبيق". جاء الكتاب في أربعة فصول، تحدث الأول منها عن التأصيل النظري لمفهوم المصلحة الوطنية، وتطرق فيه إلى موضوعات: التأصيل التاريخي لمفهوم المصلحة الوطنية، وغموض وضبابية مفهوم المصلحة الوطنية، والمحاولات الرامية إلى تعريفه وتحديده، والأب الروحي لمفهوم المصلحة الوطنية، وأنواع المصالح الوطنية التي تحكم الدول وأشكالها، والأهداف التي يتم بناء عليها تحديد تلك المصالح، ومدى ثبات أو تغير المصلحة الوطنية للدولة. في الفصل الثاني تحدث عن المصالح الوطنية السعودية الحيوية العليا، وتضمن المباحث التالية: المحافظة على وجود الدولة وبقائها وحماية كيانها السياسي وصيانة استقلالها، والدفاع عن الإسلام وحماية المقدسات الإسلامية، وتحقيق أعلى مستوى ممكن من التطور والتقدم للدولة، ومن الرفاه والرخاء للمواطنين متلازمة النفط والاقتصاد، والفصل الثالث كان عن المصالح الوطنية السعودية الاستراتيجية وفيه: المصالح الوطنية الاستراتيجية الخاصة بحدود المملكة الجنوبية، والمصالح الوطنية الاستراتيجية الخاصة بحدود المملكة الشمالية، والمصالح الوطنية الاستراتيجية الخاصة بحدود المملكة الشرقية. وكان الفصل الرابع عن المصالح الوطنية السعودية التكتيكية، وفيه: التطرف والإرهاب، والبعد الإقليمي للمصالح الوطنية التكتيكية: الانتماء العربي، والبعد الدولي للمصالح الوطنية التكتيكية: متلازمة استتباب الأمن والسلم والاستقرار على المستوى الدولي، وعلاقات المملكة الدولية، وكانت خاتمة المطاف نحو صياغة جديدة للمصلحة الوطنية السعودية. ويرى المؤلف أنه من المؤكد أن صانعي القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية السعودية يعلمون حق العلم أنهم لا يملكون ترف النأي بأنفسهم عن متابعة تطورات الأحداث الدولية والاكتفاء بالمشاهدة عن بعد، فالتفاعلات الأزمات الدولية تتشب في كل حين وآن، ومن كل حدب وصوب، كما أنهم يعلمون حق العلم أنه مهما كانت كثرة الإنجازات وأهميتها التي استطاعت المملكة العربية السعودية تحقيقها في غضون السنوات القليلة الماضية، والتي أدت إلى ترسيخ دورها بوصفها لاعباً أساسيًا وقوة فاعلة ومحورية قادرة على التأثير على مجريات الأحداث سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، فإنها وبالتأكيد لا يمكن أن تكتفي بذلك، ولا ينبغي أن تنغلق على ذاتها، وتقفل على نفسها الأبواب والنوافذ لأن التعامل الواقعي والإيجابي مع الأحداث والأزمات الطارئة أو المستمرة يعني أهمية توقع تيارات التغيير التي يمكن أن تحدث، ونوعية ردود الفعل على ما قد يطرأ من تطورات أو ما قد يستجد من متغيرات، وما يترتب على ذلك من ضرورة استنفار جميع قواها وإمكاناتها بهدف الاستثمار الواعي القرص الجديدة والطارئة التي تتيحها تلك التغيرات وردود الفعل لكي تتمكن بعد ذلك من ترسيخ نفوذها ودورها المؤثر على الصعيدين الإقليمي والدولي. وأضاف مدني أنه على الرغم من أنه ليس باستطاعة أحد كائنا من كان أن يتنبأ أو يتوقع بشكل دقيق وجازم بما يمكن أن تسفر عنه سيرة الأحداث وتطورات الأزمات الدولية إلا أن الحد الأدنى الذي يمكن بل والذي يجب تحقيقه الخاصة في مثل البيئة الدولية المعقدة والمتغيرة التي يعيش العالم في أجوائها في المرحلة الراهنة هو بلورة الأهداف والأولويات مسبقا وبما يتوافق مع المعطيات المتوفرة ويتلاءم مع الإمكانات المتاحة، ويتسق مع القوى الكامنة ومن ثم تحديد الوسائل والمواقف والسياسات الواجب اتخاذها لتنفيذ تلك الأهداف والأولويات على أسس موضوعية ودقيقة وبطرق وأساليب حاسمة وحازمة، وهذا هو جوهر ولب ما يسمى بالمصلحة الوطنية.