الحرب الإدراكية لم تعد بالسلاح التقليدي، بل أصبحت معركة خفية تُخاض على العقول والفكر، عبر سرديات كاذبة تديرها لجان إلكترونية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتقف خلفها دول وجماعات إرهابية، تستغل القضايا الإسلامية والإنسانية كسلاح عاطفي لبث الفتن، والتحريض على الكراهية والعنف، من خلال إثارة الطائفية والعنصرية، لتفكيك اللحمة الوطنية وزعزعة الأمن. فهذه الحرب لا تُرى، وآثارها في النفوس والعقول، من واقع يومي يعيشه كل مستخدم لهاتف ذكي أو منصة اجتماعية، تُخاض بالأخبار الزائفة، والصور المفبركة، والمحتوى العاطفي المُصمم، وبالتكرار الذكي. كل هذا يجري من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي التي تحلل السلوك الفردي، وتستخرج نقاط ضعفه، ثم تبث له رسائل «مصممة» بحسب مزاجه وانحيازاته. الأخطر من ذلك أن هذه الحملات لا تظهر دائمًا في هيئة عداء صريح، بل تتسلل على أنه خبر عادي، وهكذا تُبنى «السردية» بهدوء، تُغذّى تدريجيًا، وتُكرَّر بذكاء، ومع تصاعد تقنيات التزييف العميق، والهندسة الاجتماعية المتقدمة بفضل الذكاء الاصطناعي، إذ تُستغل العواطف والتحيزات المعرفية لبناء علاقات زائفة، واكتساب الثقة، والتأثير في السلوك الجمعي والفردي دون وعي الجميع. بات بالإمكان تصنيع مشاهد وخطابات لم تحدث، تُعرض بمظهر واقعي لإسقاط الثقة، وتشويه الرموز، وتفكيك التماسك المجتمعي، وبهذا، يصبح الفرد عُرضة للارتباك والتشكيك، فلا يدري ما يصدق، ولا بمن يثق. لذا، فإن مواجهة هذا النوع من الحروب لا تكون فقط بالأمن السيبراني أو التقني، بل بأمن فكري ومعرفي عميق، يقوم على تعزيز الوعي، وتحصين العقول.