الشخص النرجسي، باختصار، هو من يرى نفسه محور العالم، ويكون لديه شعور مفرط بالأهمية، ويحتاج إلى إعجاب دائم، ولا يتحمّل النقد، ويصعب عليه الاعتراف بالخطأ، وقد يبدو واثقًا في ظاهره، لكنه في العمق هشّ، ويُخفي ذلك بتضخيم ذاته، والتقليل من غيره، والسيطرة على من حوله. في بيئة العمل، قد يُبتلى الموظف بمدير نرجسي يتفنّن في التسلّط، ويتدخّل في كل صغيرة وكبيرة، لا ليساعد، بل ليرسّخ هيمنته؛ لا يعترف بخطأ، ولا يقدّم اعتذارًا، بل يُلقي باللوم على من تحته كلما تعثّر القرار أو اختل التنفيذ، ونجاح الفريق عنده يُنسب إليه، وفشلهم يُنسب إليهم، وكأنّ الجميع وُجد ليخدم صورته. تحت إدارة المدير النرجسي، يشعر الموظف أن طاقته تُستنزف في تفسير المزاج وتقلبات المعاملة أكثر من إنجاز المهام؛ فكل جهد يُهمّش، وكل خطأ يُضخَّم، وكل مبادرة تُطفَأ خشية أن تسرق الأضواء من القائد الأوحد، الذي لا يُجيد الاستماع، وإن استمع، فهو من أجل أن يسجِّل ملاحظات لا ليبني فهمًا، بل لإظهار صورة لبقة أمام الإدارة العليا، فينخدع به من هم فوقه، وتتآكل الثقة في المستويات التي تحته. في مثل هذه البيئات يتساءل من يعمل مع المدير النرجسي، هل المشكلة فيّ؟ لماذا يتغيّر موقفه تجاهي بلا سبب؟ هل أخطأت؟ وغالبًا، لا علاقة للأسئلة بالواقع؛ فالنرجسي لا يتفاعل مع الناس بناءً على منطق عادل ومبدأ ثابت، بل على ما يخدم صورته، ويهدّدها، ويعيد تثبيتها، وهذا ما يجعل فهم طبيعة هذه الشخصية شرطًا أول في التعامل معها، لا بدافع التبرير، بل بدافع الحماية الذاتية، خاصة وأن الخطورة لا تكمن في سلوك المدير النرجسي فقط، بل في تأثيره المتراكم على بيئة العمل، حيث تسود ثقافة القلق، وغياب الأمان النفسي، ويشيع الإحباط؛ مما يجعل الموظف يعمل لا ليرتقي، بل لينجو، وعندها تتحول الكفاءة إلى عبء، والاجتهاد إلى خطر، والنجاح إلى تهمة محتملة. التعامل مع هذه النوعية لا يُحتمل دائمًا، ولا يقابل بالصدام المباشر، ولا بالصمت المذل، بل يحتاج المتعامل إلى توازن دقيق، ومحافظة على جودة العمل، ولباقة، وعدم انتظار الإنصاف والمكافأة، مع توثيق أي أمر يُطلب منه، وتقييد أي أمر ينفذه، لا ليُدين أحدًا، بل ليحمي نفسه إن تغيّرت الروايات فجأة، ويحتاج أيضا إلى تعلم كيف يقول «لا»، بأسلوب هادئ، وأن يضع لنفسه خطوطًا لا تُتجاوز، وأن يعرف متى يصمت ويوضح، ومتى يمهل ويفارق، والأهم عدم إشغال نفسه بعلاج مديره وإصلاحه، لأنه ببساطة لا يرى أنه مريض أصلًا، ولن يشكر أحدا على تشخيص حاله، بل سيصنف من يفعل ذلك ضمن فئة «المتمردين». أختم، بأن الموظف لا يختار مديره في العادة، والتحدي الأكبر هو ألا يفقد ذاته وسط التآكل البطيء الذي يعانيه، ولا بد أن يحتفظ بثقته، وأن يتذكر أن المشكلة لا تعني ضعفا فيه، بل خللا في من حوله، وفي الذين لم يحسنوا تقييمهم، وعليه معرفة كيف يملك حق الحفاظ على نفسه من الذوبان في ظل شخصية مضطربة، وكل هذا لا يبدو صعبا على من توفرت لديه القناعة بأن التعامل مع المدير النرجسي ليس مستحيلاً، ولكنه يحتاج وعيًا، وثباتًا، وخطة، وشجاعة في التوقيت المناسب، ومن وصل إلى مرحلة الشعور بتهديد استقراره النفسي أو كرامته، فعليه أن يفكّر في خيارات أخرى، كترك العمل الحالي، لأن العمل ليس سجنًا، والاستمرار في بيئة مريضة لا يُعدّ صبرًا محمودًا، بل ضربًا من الإهمال الذاتي.