بينما تواصل المملكة العربية السعودية تقدمها في مؤشرات التحول الرقمي وتمكين الذكاء الاصطناعي ضمن رؤية 2030، يفجّر تقرير غالوب العالمي لمكان العمل 2025 مفارقة لافتة: السعودية تتصدر دول الشرق الأوسط في مشاركة الموظفين بنسبة 26 %، وتحتل المركز الثالث عالميًا في الثقة بمناخ التوظيف بنسبة 72 %، ما يعكس فرصًا مستقبلية واعدة إذا ما استُثمرت بشكل إستراتيجي، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديًا حرجًا يتمثل في أن نحو نصف العاملين فيها 47 % يفكرون جديًا في ترك وظائفهم. ويقصد بمشاركة الموظفين، مستوى الالتزام والتفاني الذي يتمتع به الموظفون تجاه عملهم ومؤسستهم وزملاءهم، فالموظفون المنخرطون متحمسون لوظائفهم، ويشعرون بالتقدير، ولديهم الدافع لأداء أفضل ما لديهم، وهذا المستوى من المشاركة له تأثير مباشر على إنتاجية وربحية الشركة، فعندما يشعر الموظفون بالارتباط بعملهم وزملائهم، فمن المرجح أن يتجاوزوا متطلبات وظائفهم. كما أنهم أكثر عرضة لتحمل ملكية عملهم والسعي لتحسين مهاراتهم ومعارفهم. التقرير يسلّط الضوء على سوق عمل سعودي يزخر بالفرص والتفاؤل، لكن دون ولاء وظيفي كافٍ. فبينما يرى 72 % من الموظفين السعوديين أن سوق العمل مواتٍ للبحث عن فرص جديدة، يبقى السؤال مطروحًا: لماذا يهرب الموظفون من بيئة يُفترض أنها واعدة؟ قيادة وتدريب يربط التقرير هذا التناقض بجذور بنيوية تتعلق بضعف تدريب المديرين، حيث تشير الأرقام إلى أن 44 % فقط من مديري العالم تلقوا تدريبًا إداريًا فعالًا، والسعودية ضمن هذا النطاق. ويؤكد التقرير أن الموظفين، خاصة الشباب والكفاءات التقنية، يبحثون عن قادة يُلهمونهم لا يُديرونهم فقط، وعن بيئة تُمكنهم لا تستهلكهم. ذكاء بشري على الرغم من تفوق المملكة في توظيف الذكاء الاصطناعي داخل مؤسساتها، إلا أنها تواجه التحدي العالمي ذاته: فقدان الرابط الإنساني في بيئات العمل. ويحذر التقرير بوضوح: إذا لم تُوازَن الرقمنة بتعزيز العلاقات البشرية، سيتحول الموظفون إلى تروس رقمية، وسيتلاشى الانتماء المؤسسي. وفي عالم تُدار فيه القرارات بالتقنية، تبقى القيادة البشرية ذات الأثر العاطفي والاجتماعي عنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه. توطين وتحديات برامج التوطين في السعودية، على الرغم من ضرورتها الإستراتيجية، أضافت طبقة من التحديات أمام بعض المؤسسات التي تحاول التوفيق بين الكفاءة الوطنية والمنافسة العالمية. ويشير التقرير إلى أن المملكة تُعد رائدة إقليميًا في نسب التوظيف الوطني، لكن تحسين جودة بيئة العمل هو العامل الحاسم في الاحتفاظ بتلك الكفاءات. جانب مضيء يشير التقرير إلى تسجيل المملكة أداءً إيجابيًا في مؤشرات الرفاه النفسي للموظفين، إذ تُعد الأقل إقليميًا من حيث معدلات التوتر 28 % والحزن اليومي 18 %، ما يوفر بيئة نفسية مستقرة. وتُظهر الأرقام أن السعودية تحتل أيضًا المركز الثالث عالميًا في الثقة بمناخ التوظيف بنسبة 72 %، وهو ما يعكس بيئة ديناميكية محفّزة للنمو الوظيفي، إذا ما قُرن ذلك بجهود الاحتفاظ بالموظفين المميزين. تميز سعودي عالمي تكشف البيانات العالمية لتقرير غالوب عن موقع السعودية المميز مقارنة بدول أخرى. فعلى سبيل المثال، تسجّل الولاياتالمتحدة وكندا أعلى نسبة مشاركة وظيفية 31 %، لكنها تسجّل أيضًا أعلى مستويات التوتر اليومي 50 %، بسبب الضغوط الاقتصادية. في المقابل، السعودية تحقق توازنًا بين الأداء النفسي والمشاركة، وهو عنصر تنافسي يُحسب لها. وفي أوروبا، تهبط المشاركة إلى 13 % فقط رغم الاستقرار الهيكلي، فيما تُسجّل أفريقيا جنوب الصحراء أعلى نية لترك الوظائف 72 %، ما يسلّط الضوء على هشاشة البيئات المؤسسية هناك. أما سنغافورة وأستراليا، فتتصدّران في نسب الرفاهية والتفاؤل 56 % و72 % على التوالي، وهو النموذج الذي يمكن للسعودية أن تقترب منه إذا استثمرت أكثر في تطوير قادة الصف الأول وتحسين الروابط الإنسانية داخل العمل. اتجاه عالمي مقلق عالميًا، انخفضت المشاركة الوظيفية إلى 21 %، وارتفعت معدلات التوتر اليومية إلى 40 %، والشعور بالوحدة إلى 22 %، بينما 50 % من القوى العاملة تفكر بجدية في ترك وظائفها. ويشير التقرير إلى أن انخفاض مشاركة المديرين بنسبة 3 % فقط بين 2023 و2024، تسبب في خسارة 438 مليار دولار من الإنتاجية. هذه الأرقام تُظهر بوضوح أن أزمة القيادة لم تعد شأنًا إداريًا فقط، بل خطرًا اقتصاديًا عالميًا.