تتواصل حوادث إطلاق النار قرب مراكز توزيع المساعدات في قطاع غزة، وسط اتهامات متكررة للجيش الإسرائيلي بقتل مدنيين أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء في مناطق تخضع لسيطرة عسكرية. ومنذ الأسبوع الماضي، قُتل ما لا يقل عن 80 فلسطينيًا وأُصيب المئات، معظمهم من النساء والأطفال، حسب بيانات المستشفيات المحلية. بينما تُحمّل إسرائيل حماس مسؤولية ما تصفه ب«فوضى المساعدات»، تتصاعد التساؤلات حول تكرار الحوادث في مواقع لا توجد بها مؤشرات على نشاط مسلح فلسطيني، وفق شهادات وشهود عيان وفرق إغاثية. عسكرة توزيع المساعدات وبدأت عمليات التوزيع التي تديرها مؤسسة «غزة الإنسانية» (GHF) في 26 مايو، داخل ثلاثة مواقع في غزة، جميعها محاطة بمناطق عسكرية إسرائيلية ومُراقبة عبر طائرات مسيرة. وبحسب الشهادات، فإن الحشود تبدأ بالوصول قبل الفجر، مدفوعة بالجوع ونقص الإمدادات. وأشد تلك الحوادث وقعًا، وقع فجر الأحد والثلاثاء قرب دوار العلم شمال غرب رفح، عندما تجمعت آلاف العائلات بانتظار فتح أحد مراكز المساعدات. روايات الشهود تؤكد أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار مباشرة دون تحذير فعلي كافٍ، مستخدمة بنادق، ودبابات، وطائرات دون طيار. وأكد عدد من الشهود أن إطلاق النار لم يكن نتيجة لأي استفزاز، بل نابعًا من «الخوف من الحشود». أُصيب العشرات بطلقات نارية، غالبيتهم في الساقين والأرداف، ما يشير إلى استخدام القوة لإخافة المدنيين بدلًا من تفريقهم بشكل آمن. عجز طبي وموت على الأرض وتشهد مستشفيات الصليب الأحمر الميداني في رفح ومستشفى ناصر في خان يونس اكتظاظًا غير مسبوق. وتقول المصادر الطبية إن الجرحى يتكدسون على الأرض، وإن أغلبهم تعرضوا لإطلاق نار مباشر، وليس نتيجة تدافع. وقال أحد العاملين: «لم يعد هناك فرق بين ساحة المساعدات والمقبرة. الجميع يسقط». تحقيقات معلقة وصمت انتقائي وفي تعليقه على الحوادث، أقر الجيش الإسرائيلي بإطلاق طلقات تحذيرية على «مشتبه بهم» اقتربوا من القوات، لكنه نفى استهداف مدنيين. كما لم يزعم وجود مسلحين فلسطينيين قرب مراكز GHF، رغم تقديمه لاحقًا مقطع فيديو غير موثق يقول إنه لمسلحين يطلقون النار في منطقة خان يونس، البعيدة عن موقع الحادث. وجدير بالذكر، أن إسرائيل سبق أن وعدت بالتحقيق في حوادث مماثلة، ثم تجاهلت نتائجها أو حمّلت المدنيين المسؤولية، كما حدث في مجزرة قافلة المساعدات في فبراير 2024، حين قُتل أكثر من 100 شخص. آنذاك، قالت إسرائيل إن قواتها أطلقت النار فقط على «مشتبه بهم»، لكن شهودًا ومسؤولين أمميين أكدوا أن غالبية الضحايا سقطوا برصاص إسرائيلي مباشر. وفي حادث دوار العلم الأخير، لم تعلن إسرائيل حتى الآن نتائج أي تحقيق، ولم تتناول احتمال مسؤولية جنودها رغم تواتر الشهادات. نظام توزيع غير إنساني وأثارت آلية توزيع المساعدات عبر مؤسسة GHF انتقادات من منظمات إنسانية، إذ تتطلب من المدنيين اجتياز طرق عسكرية خطرة، وتُسلّم المساعدات داخل نقاط محاطة بالأسلاك والحراسة، ما يزيد احتمالية تعرض المدنيين للعنف. وتقول مؤسسة GHF إن كل صندوق غذائي يكفي خمسة أفراد لثلاثة إلى أربعة أيام فقط، وسط تأكيدات أن الإمدادات لا تغطي إلا نسبة ضئيلة من الاحتياجات، وأن كثيرين يعودون خاليي الوفاض بعد رحلة محفوفة بالموت. وأكدت منظمة الهلال الأحمر أنها أوقفت عملياتها مؤقتًا، في محاولة للتفاوض مع الجيش الإسرائيلي على إجراءات تضمن أمن المدنيين خلال توزيع المساعدات. تجاهل التحذيرات المبكرة وحذرت منظمات إغاثة منذ أسابيع من أن وضع نقاط المساعدات داخل مناطق عسكرية يعرض حياة المدنيين للخطر. وقالت أروى دامون، مؤسسة الشبكة الدولية للإغاثة، إن «هذا النظام كان يجب أن ينتهي بمذبحة، وقد حدث ذلك بالفعل». وأضافت: «يتم تهميش النظام الأممي الكفؤ لصالح مؤسسات تعمل تحت عين الجيش، في مخالفة صريحة للمبادئ الإنسانية».