يدور في خاطري تساؤل: هل نعيش اليوم بدايات مرحلة "الحداثة الرياضية"؟ وما العلاقة بين الحداثة الرياضية وبين مظاهر الحداثة الثقافية والاجتماعية التي نلمسها في تفاصيل حياتنا اليومية؟ لعلني أحاول من خلال هذه الأسطر الإجابة عن هذا التساؤل سعياً لفهم أعمق للتداخل بين الرياضة والثقافة والمجتمع في إيقاع تتسارع فيه خطوات التطور بشكل غير مسبوق. كيف انعكست الحداثة على مجال الرياضة؟ لا بدَّ أنَّ الكثير منَّا عاش مرحلة الصِّراع بين الحداثة والتَّقليديَّة في الأدب والشعر والثقافة، وهي مرحلة شهدت شدًا وجذبًا بين التيارات الفكرية في الوطن العربي والسعودية على وجه التحديد، خلال تلك الفترة دارت مناظرات وكُتبت مقالات ونقاشات طويلة، وامتلأت أرفف المكتبات بنتاج هذا الصراع، ما جعل المشهد الثقافي مرتبكًا ومفتوحًا على تحولات كبيرة، ومن هذا السياق خرج كتاب الدكتور عبدالله الغذامي "حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية"، أيضًا صدر مؤخرًا للدكتور حمد المزيني "مقالات تؤرخنا" يضم عددًا من المقالات التي أسهمت في النقاش الثقافي والاجتماعي والفكري في العقود الماضية، حيث رصدت هذه التحولات بعمق ووضوح. ويبدو أن رياح الحداثة اليوم هبت على الرياضة أيضًا، حاملة معها ملامح التغيير والتجديد في مختلف تفاصيل هذا المجال، حيث شهدت تحولًا جذريًا يعكس فكرة الحداثة وتأثيرها على مناحي الحياة وأبرز معالم الحداثة الرياضية هو في دخول التكنولوجيا، وتطور أساليب الإدارة، والتدريب، والحوكمة وزيادة المشاركة المجتمعية، حتى شعارات الأندية وألوانها لم تسلم من موجة الحداثة، ولم تعد التصاميم الحديثة والقمصان الرياضية مقتصرة على الألوان المتعارف عليها تاريخيًا، بل أصبحنا نرى ألوانًا جديدة وغير سائدة لدى الجمهور، تزين أطقم الأندية، بالإضافة إلى تغيير هوية الأندية البصرية، كل هذه أشكال للحداثة يعكس التطور المستمر في هذا العالم. مخاوف حول استدامة التحول أتمنى أن يكون دخول الرياضة السعودية عصر الحداثة ليس مجرد تغيير شكلي أو تقني، بل أن يكون تحوّلاً عميقاً في الرؤية والمنهج، وليس مجرد تقليد أعمى أو استنساخ جامد، فالطموح أن تصبح محاولة حقيقية لصياغة هوية تجمع بين الأصالة وما يتطلبه العصر، وتستثمر في تطوير المشهد الرياضي ليصبح أكثر تنافسية وجاذبية عالميًا، هناك من لا يزال متمسكًا بالنماذج التقليدية، ويخشى أن تذوب الجذور في بحر التغيير، غير أن التجربة أثبتت أن المجتمعات التي لا تتجدد تظل في الظل!. استقطاب النجم كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما والعديد من النجوم إلى الدوري السعودي كان نقطة تحول وخروجًا عن المتوقع، عبر تعزيز حضور السعودية رياضيًا عالميًا وفتح نافذة حوار جديدة مع العالم، هذه الخطوة الجريئة تعكس لب الحداثة وكسر القوالب واقتحام آفاق جديدة بثقة. هذه النقلة امتدت لتشمل الإدارة، والاستثمار الرياضي، والبنية التحتية، وطلب استضافة تنظيم كأس العالم والبطولات الدولية، وتفاعل المجتمع اليومي المستمر مع الرياضة، مما عزز مكانتها كقوة ناعمة توحد الملايين خلف الشغف والمنافسة، وتفتح آفاق الحوار بين الثقافات. لكن ما قد يشوبها هو حالة عدم الثقة التي تحيط بها أحيانًا، بالإضافة إلى الغموض الذي يكتنف بعض تفاصيلها، وهذا ما يجعل البعض يرى أنها قد تكون مجرد مرحلة مؤقتة، سرعان ما تعود الأندية إلى سابق عهدها إذا ما توقف الدعم واستجدت الظروف، ما يؤدي إلى التساؤل حول مستقبل هذا التحول ويثير الحذر لدى كثيرين، لكن ما قد يطمئن على القدرة في الاستمرار هو أن هناك توجهاً نحو التخصيص الكامل للأندية وتعزيز الاستقلال المالي وتطوير الموارد الذاتية، وفتح المجال أمام الاستثمارات، مما يعزز فرص الاستدامة والنمو، ويجعل الرياضة أكثر رسوخًا وثباتًا في مستقبل النهج الحديث. توثيق التحولات هنا يتضح أن الصراع بين الحداثة والتقليدية ليس مقصورًا على الأدب والثقافة، بل يمتد ليشمل الرياضة وسائر مجالات الحياة، وبينما تواصل السعودية سعيها نحو التحديث والتجديد، تظل التجربة والانفتاح على العالم من السمات البارزة لهذا العصر، رغم ما يصاحبها من نقاشات وبعض التحفظات، والنجاح كما أثبت التاريخ حليف من يجرؤ على التغيير ويملك الإيمان بقدراته وقيمه!. فهل سنشهد في السنوات المقبلة مؤلفات توثق التحولات في المجال الرياضي بنفس العمق والجدية التي تميز بها نتاج الغذامي والمزيني في المجال الثقافي والاجتماعي؟ وهل ستظهر كتب ودراسات تكون شاهدة على التغيرات الرياضية التي نشهدها اليوم بكل ما تحمله من انعكاسات على الوعي والسلوك الجماهيري الجمعي؟ ليكون لدينا سجل حي يرصد كيف أثرت هذه التغيرات في المجتمع جنبًا إلى جنب مع التحولات الثقافية، وليبقى هذا النتاج شاهدًا على التحول الرياضي بكل أبعاده؟ أتمنى ذلك، ولكن أعتقد أننا لن نشهد مثل هذا التطور في المشهد الرياضي الإعلامي قريبًا، فغالبية الإعلام الرياضي لم يستوعب بعد حقيقة المرحلة الراهنة وتحولاتها الجوهرية، وما زال التناول الإعلامي للمشهد يتسم بالسطحية والبساطة دون استيعاب حقيقي للتغيرات المؤثرة. كريم بنزيما حمود فالح السبيعي